كان الإمام الصادق (عليه السلام) مأوى الأفئدة ومرجعًا لكل طالب علم ومحب وموال، هذا من شيعته بخراسان يهديه الملابس البيضاء وهذا من محبيه من أمراء الصين يرسل إليه بجارية وهذا من شيعته بالعراق يرسل إليه بما فرضه الله عليهم ولكن هذا كله ما كان يمنعهُ من طلب الرزق والكسب الحلال بجهده وعرقه ليستغني عما في أيدي الناس ويستقل بأمور نفسه.
فضرب بذلك أروع مثل لعلماء العاملين وكان حقًا قدوة لمن يريد الإقتداء بسيرته والسير على منهجهم، جاء في الكافي عن عبد الأعلى مولى ال سام قال استقبلت ابا عبد الله (عليه السلام) في بعض طرق المدينة في يوم صائف شديد الحر فقلت جعلت فداك حالك عند الله عز وجل وقرابتك من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وأنت تجهد نفسك في مثل هذا اليوم فقال يا عبد الأعلى خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك.
أما العمل الشاق الذي كان يضطلع به في أحوال جوية عاتية وظروف شديدة الوطئ احيانًا فهو العمل في التجارة حينا وفي المضاربة أو الزراعة. يقوم به أما بنفسه وأما بالإستعانة بغيره وهكذا يحتفظ بكبريائه وإستقلاله وجاء في الكافي عن إسماعيل بن جابر قال أتيت أبا عبد الله (عليه السلام) وإذا هو في حائط له أي مزرعة مسورة بيده مسحاة وهو يفتح بها الماء أي يسقي الزرع وعليه قميص شبه الكرابيس كأنه مخيط عليه من ضيقه.
وفي حديث آخر وبيده مسحات وعليه ازار غليظ يعمل في حائط له والعرق يتصبب عن ظهره فقلت فداك أعطني أكفك فقال لي إني أحب أن يتأذى الرجل بحر الشمس في طلب المعيشة.
وكان (عليه السلام) يباشر بنفسه بجميع أعمال الزراعة وجمع الثمار وكلي وكليلها وبيعها، جاء في الكافي عن داوود بن سرحان قال رأيت ابا عبد الله (عليه السلام) يكيل تمرًا بيده فقلت جعلت فداك لو أمرت بعض ولدك أو بعض مواليك فيكفيك وكان عليه السلام إذا استأجر أو إستعان بأجير بادرهُ بدفع حقه قبل مطالبتهُ إياه وجاء في الكافي عن حنان بن شعيب قال تكارينا لأبي عبد الله (عليه السلام) قومًا يعملون في بستان له وكان أجلهم إلى العصر فلما فرغوا قال لمعتب أعطهم أجورهم قبل أن يجف عرقهم وكان الصادق (عليه السلام) يهتم بالتجارة إلى جانب الزراعة ويعطي مالهُ أحيانًا بالمضاربة لمن يتجر به ثم يحاسبه ويستوفي حقه وربحه منه لا حبًا في الأرواح واستزادة في المال والثروة بل رغبة منه في العمل وفي دفع عجلة الإقتصاد في الجماعة الإسلامية.
وكان الإمام الصادق (عليه السلام) ينهي عن الإحتكار والإستغلال بمختلف أشكاله وصوره وخاصة فيما يتعلق بالأرزاق العامة وما تشتد إليه حاجز الناس والمجتمع فما كان يرضى أن يدخر حاجته على المدى البعيد ليريح نفسه ما دام أهله والناس في حاجه أو مشقة، عن جهم بن أبي جهم عن معتب قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) وقد تزايد السعر بالمدينة
كم عندنا من طعام؟
قلت: عندنا ما يكفينا اشهرا كثيرة
قال: اخرجه وبعه
قلت: وليس بالمدينة طعام
قال: بعه
فلما بعته
قال: إشتري مع الناس يوما بيوم.
ومما يدل على عطف الإمام على الناس جميعًا سواء كانوا من أهل مدينته أم غيرها من المدن والأقاليم إنه عليه السلام دفع مبلغًا من المال لمولاه مصادف ليتجر به وعاد مصادف من الرحلة التجارية قام بها إلى مصر مع ربح مضاعف فأستكثر الصادق (عليه السلام) الربح.
وهكذا كان الصادق (عليه السلام) يهتم بتنظيم أمر المعيشة والتجارة ويعلق على الإقتصاد أهمية قصوى فكان مثالًا يقتدى به في أمر الدنيا والدين على السواء دون أن يحرم على نفسه وعلى أهله طيبات ما أحل الله له.
هذا سفيان بن عينه يقول لأبي عبد الله (عليه السلام) أنه يروي أن عليا بن أبي طالب كان يلبس الخشن من الثياب وأنت تلبس القوهي المروي.
قال ويحك أن عليًا كان في زمن ضيق فأنا أتسع فإذا إتسع الزمان فابرار الزمان أولى به وفي حديث آخر فخير لباس كل زمان لباس أهله..
*القوهي. ضرب من الثياب البيض يصنع في فوهستان أي بلاد الجبال والمروي نسبة إلى مرو وهي في خراسان..
اضافةتعليق
التعليقات