ما الذي يجعلك تصغي للطبيعة وتتأملها بهذا الشكل الذي يثير إعجاب الجميع, هل رأيت شجرة تنمو أمام عينيك في يوم ما؟ أو هل قطفت وردة ثم ندمت؟ أما ماذا؟
صدقني نحن لا يمكننا حصر الطبيعة بالعوامل الطبيعية ولا بجوّها فلو قيّمناها حسب ما تنتجه دون تدخل بشري فكأننا نظلمها ونقوم باختزالها وقتلها!.
هذا ما قلته لأحدهم أثناء ذهابي ليلا إلى إحدى حدائق المنطقة الريفية التي أعيش فيها, وهذا ما أفعله كل ليلة اثنين..
في هذه الليلة التي اعتدت عليها كان هناك شيء غريب قد تجاوز انتباهي ومر كلمح البصر! بقيت أفكر فيما حدث، ما الشيء الذي يخطف بهذه السرعة وكأنه في سباق!, ولكنها ليلة شتوية من ليالي يناير لا يمكن أن يتضح في ظلامها شيئ وهكذا علق عقلي في الشيء الذي دفعني واختفى راكضا..
حسنا, بدأت روحي كالعادة في مراسيم الاسترخاء والتأمل فهذه ليلتها الوحيدة من كل أسبوع تستجمع طاقتها فيها, لا يمكنني سرقتها.
بعد عدّة دقائق نظرت إلى بعض المدنيين الذين بدأوا الحفر في الحديقة وعلى مقربة منهم يوجد كيس متوسط الحجم لا يتضح ما بداخله وضعوه في الحفرة وأعادوا التراب إلى وضعه السابق..
انتابني فضول كبير في معرفة ما الذي تم دفنه بهذه السرية, بدأت أفكر في الذهاب وحفر الحفرة مرة أخرى لكن ماذا لو وقعت في ورطة ما!
الأمر يزداد تعقيدا كلما حاولت حل شباكه حتى اتصلت وأبلغت أمن المنطقة, ربما هذا الأنسب والأصح لمثل هذه الحالات المشبوهة.. انتظرت في مكاني أمام الحفرة خوفا من أن يحدث أمر ما وبعد وصول الدورية إلى موقع الحادثة وترقبهم المستمر في فحص محيط الحفرة حتى حفرها مرة أخرى كان الجميع في حالة تأهب واستنفار واستعداد شامل ولكن ما وجد فيها كان غريبا, كان بذورا لنباتات زراعية!
خيّم الصمت قليلا ثم أثنى قائد الفريق لما قمت به وعبر عن شكره وأنهم غير مستائين لما حصل بل على العكس هناك من يقومون بمثل هذه الفكرة لدفن بعض الممنوعات كالأسلحة وغيرها ثم وجه أمر إلى أحد الواقفين منهم بالبحث عن الأشخاص الذين قاموا بهذا العمل لغرض الافادة وللتأكد من سلامة الوضع بشكل عام..
حلّ الفجر, عثروا على الأشخاص، إنهم بستانيين من إحدى القرى المجاورة, بعد التحقيق اللازم من أمن المنطقة اتضح أنهما أرادا تقديم شيء لهذه الحديقة العامة وقاموا بزراعة بذور زراعية للمساهمة في جمالية الحديقة العامة وهذه البذور من النباتات التي تضفي منظرا لامعا وجميلا للحديقة مما يجعل الوافدين إليها مستمتعين بالنظر بالإضافة إلى تخلصهم من طاقاتهم السلبية وأنها ليست الحفرة الوحيدة وقالوا: لقد قمنا بزراعة عدة أماكن منها ونحن مستمرين في هذا العمل وهنالك الكثير من أصحاب المزارع والبساتين يرغبون في المشاركة في الأيام المقبلة.
لا أعلم إن كنت أشكركم لخدمتكم للطبيعة وعنايتكم واهتمامكم لمكان عام أو أعتذر منكم للوضع الذي سببته لكم ولكن في كلا الحالتين أنا مدين لكم بالاثنين معا الشكر والاعتذار، لا أعرف كيف أبرر لكم الموقف لكن قاطعني أحدهم قائلا: لا حاجة للإعتذار فلو كان الجميع حريص على أرضه لكنا اليوم أحرار بشكل مطلق, امتنانا الكبير لمثابرتك وعزمك, في أمان الله.
ذهبت إلى المنزل حاولت النوم قليلا لكنني لم أتمكن فشيئ ما في عقلي أيضا أراد أن أقدم لطبيعة هذا المكان الذي استرخي فيه أشياء أخرى تجمله فلا يمكنني الذهاب مرة أخرى للاسترخاء فقط فهي لم تترك لي سؤالا دون اجابة ولا ابتسامة على ضفة مآسيّ.
فإن كنت أريد من الطبيعة حالة صحية وذهنية جيدة يتوجب عليًّ أن أوفر احتياجها.
اضافةتعليق
التعليقات