مريم البنت البكر التي تلتها أربعة أخوات، كان والدها يترقب قدوم ولي العهد وريثه الوحيد على حد قوله، فطالما كان يردد على مسامعها إن رزقني الله بالصبي سأورثه كل ما املك وانا على قيد الحياة فالفتاة لزوجها، ترعرعت مريم في كنف اسرتها وهي تشعر بالدونية تفتقر للحنان والعطف الابوي مع اخواتها فقد اقبل الوريث بعد سنين الانتظار وامسى والدها لا تبصر عيناه غيره ولأنها اكبر اخواتها كانت تشعر بإهمال والديها وتدرك السبب الذي ادى الى خلق تلك الفجوة التي نشأت منذ طفولتها حتى بلغت الرابعة عشر.
عواقب البداية
على الرغم من ارتياد المرأة جميع مجالات العمل ووصولها الى اعلى واسمى المراتب الثقافية والسياسية والعلمية الا ان البعض ما زال لا يحبذ ان يرزق بالفتيات اكثر دون الصبيان وهناك العكس او التفرقة بينهم مما يؤدي هذا الامر الى اهمال الابوين لأبنائهم دون الاكتراث بما يحمله هذا الاهمال من تبعات وخيمة اذ ربما يكون خطوات استباقية لضياعهم عاطفيا او مهنيا او تربويا ..
يرى المهندس رضا نصر، ان اهمال الطفل له تأثير كبير على سلوكياته اذ ترافقه حتى فترة المراهقة والنضوج احيانا يمكنه التخلص منها تدريجيا وفق سيكولوجية شخصيته بعدم التأثر وهناك العكس اذ يكون ذلك الاهمال شخصية عدوانية او شرسة تسبب في ضياعه ونبذ الاخرين له من اصدقاء او رفاق الطفولة او المدرسة.
وفي سياق متصل تسرد لنا التربوية ام منتظر ما عانته بسبب اهمال زوجها لابنها قائلة: حاولت جاهدة ان اغير من صفات زوجي لكن دون جدوى، اذ يستصعب ابني منتظر فهم بعض المواد الدراسية وهو بطيء الاستيعاب عكس اخيه الا ان والده لا يتفهم الامر بطابع عاطفي ابوي تشجيعي حيث ينعته بالغبي باستمرار ويوبخه قائلا ( انت غبي متفتهم ليش مصير مثل اخوك) ويبدأ المديح بأخيه وفيض حنانه واهتمامه له واغداقه بالهدايا والمصروف الشخصي مما ادى الى تفاقم وضع منتظر النفسي والشعور بالغيرة من اخيه والابتعاد عنه وعن والده حتى وصل الامر به الى تعنيف زملائه في المدرسة ثم التهرب منها واخيرا بالتمرد ورفض ارتياد المدرسة بشكل قطعي قائلا لي: (بأنه غبي ولن يستطيع اكمال تعليمه ولا يصلح ان يكون شيء في المستقبل).
ختمت حديثها: ان اهمال الاطفال يشكل نقطة تحول في حياتهم سواء كان منذ الصغر او عند الكبر لذا يجب ان يأخذ بعين الاعتبار الاهتمام بهم وعدم الانحياز الى احدهم دون اخوته ويتوجب ايضا ممن يعاني من مشكلة ما، الاهتمام به اكثر بشكل غير مباشر حتى يتخطى ما يمر به بسلام للوصول الى بر الامان.
هي الاجمل
من جانب اخر تعترف لنا السيدة غيداء الفتلاوي عن نتاج تصرفها الخاطئ اتجاه ابنتها حيث كانت شديدة الاهتمام بابنتها الصغرى دون الكبرى وذلك لأنها الاجمل اذ تسرف في تدليلها والاهتمام بانتقاء افخم الثياب واصطحابها معها لأغلب المناسبات للتباهي وترك ابنتها الكبرى في البيت والحديث بعد العودة عن النساء المعجبات بابنتها، والرد على ابنتها الكبرى حين سؤالها لعدم اصطحابها معها قائلة لها أن اختك هي الاجمل تنفع اكثر للخروج والرفقة بصيغة المزاح، لم تدرك ان بذلك خسرت ابتها تدريجيا حيث باتت لا تحبذ الخروج برفقتها والابتعاد عن اختها والعزلة وشعورها المستمر بالنقص.
وعلى النقيض من ذلك حدثتنا امل وهو اسم مستعار عما عانته عن اهمال ابويها لها منذ طفولتها لأنها ولدت فتاة حيث قررت منذ ان ادركت السبب ان تثبت للجميع بانها ستكون امرأة ناجحة ذات مكانة اجتماعية مرموقة حدثتنا قائلة: كبرت وبدأت افهم اهتمام والدي بإخوتي دوننا عني من هناك بدأت بالاهتمام بدراستي والحرص على النجاح حتى انهيت الثانوية بتفوق لأدخل كلية الطب عكس اخوتي بتراجع مستواهم الدراسي وحتى الاخلاقي فقد كانوا سليطي اللسان والحنان فحينما يمرض احد ابويه اكون انا بمحاذاتهم ألبي احتياجاتهم، منحني اهمال ابوي لي القوة والعزيمة على تخطي شعور الاهمال والتمييز لأحوله الى تحدي والوصول للنجاح والتفوق.
اهمال الاطفال وتبعاته
وفي ختام جولتنا التقت (بشرى حياة) بالاستشارية النفسية نور مكي الحسناوي للحديث حول تبعات اهمال الطفل استهلت حديثها قائلة:
ربما يكون لإهمال الطفل تبعات سلبية واخرى ايجابية حيث يمكن ان يكون لإهماله رد عكسي ليثبت للمقابل انه الافضل ولكن غالبا ما يتفوق الرد السلبي لأن الطفل شديد التأثر اذ تقوده مشاعره اكثر من عقله وذلك لعدم نضجه الفكري للحد الذي يجعله يقرر بكيفية تحويل الفشل الى نجاح او العمل على كسب ود ابويه ان كانا قد اهملاه.
واضافت: كما يمكن ان يصدر هذا الاهمال من المعلم او المعلمة والتمييز بين التلاميذ مما يؤدي الى تراجع التلميذ في مستواه الدراسي، ويمكن أن يتسبب إهماله بمرحلة الطفولة في حدوث تأثيرات ضارة على النمو الجسدي والعاطفي والإدراكي تستمر معه حتى مرحلة البلوغ.
وتابعت الحسناوي : يحتاج الطفل الى رعاية شاملة للنمو الفكري والاشباع العاطفي لينشئ بشكل سليم فالأطفال المهملين يشعرون بعدم الأمان في تعلقهم بمن يقدمون لهم الرعاية نتيجة لنقص الاستجابة العاطفية في بداية طفولتهم، حيث يصبحون منعزلين عن الآخرين عاطفيًا وجسديًا مع احتمالية عدم تكوين روابط اجتماعية.
وتشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين أُهملوا سوف يتوجب عليهم التعامل مع عواقب هذا الإهمال في الكبر والذي يشمل الاضطراب والاكتئاب وضعف الانضباط الذاتي، فضلا عن الغضب والسلوك العدواني وصعوبة الثقة أو الاعتماد على الآخرين.
انواع الاهمال
واضافت نور : يتنوع الاهمال بحسب البيئة التي ينتمي اليها الطفل مثل الاب المتسلط فالمعاملة القاسية يمكن أن تؤثر على الصحة البدنية والعقلية للطفل مع عواقب وخيمة محتملة على المدى الطويل.
وهناك الإهمال التعليمي، وهو الفشل في تسجيل الطفل في المدرسة أو تجاهل احتياجات التعليم الخاصة بالطفل، وايضا الإهمال العاطفي وهو تعريض الطفل للعنف المنزلي أو عدم تقديم المودة والدعم العاطفي له من خلال ترك الطفل الذي لا يستطيع رعاية نفسه بمفرده في المنزل ويتضمن هذا عدم حماية الطفل من مخاطر السلامة.
وهناك أيضا الإهمال الطبي الذي يعني رفض أو تأخير العلاج الطبي، فضلا عن الإهمال الجسدي وهو الفشل في رعاية احتياجات الطفل الأساسية مثل النظافة أو التغذية أو المأوى.
جميع ما ذكرت انفا يأثر على تنشئة الطفل وتكوين شخصيته، ولكن من ناحية أخرى قد لا يتأثر جميع الأطفال الذين يتعرضون لتجارب مماثلة من سوء المعاملة والإهمال بالطريقة نفسها اذ يتحدد ذلك بناء على تجارب الحياة التي يمر بها الطفل والظروف العائلية الأخرى التي تؤثر إيجابا أو سلبا على قدرته على الصمود في مواجهة سوء المعاملة أو الإهمال.
اسباب الاهمال وكيفية التعامل
وحول الاسباب التي تؤدي غالبا للإهمال وكيفية التعامل معها تطرقت الحسناوي بالقول:
ان احد اسباب اهمال الطفل هو انجاب الكثير من الابناء وهذا ما قد يؤدي إلى عدم القدرة على تلبية احتياجاتهم المادية والنفسية بشكل كافٍ، وهناك التمييز بين الاناث والذكور او تعدد الزوجات حيث يسدل الاب عطفه ومودته على ابناء احدى زوجاته ويهمل ابنائه الاخرين من زوجته الاخرى.
كما يمكن للأطفال الذين تعرضوا للإهمال وسوء المعاملة من تقديم الخدمات العلاجية لمساعدتهم على معالجة عواطفهم أو سلوكياتهم أو مخاوفهم من قبل الطبيب النفسي او الاستشاري المختص لتخطي التأثيرات السلبية للأطفال وبالمثل بالنسبة للبالغين.
وهناك أنواع مختلفة من العلاج مثل العلاج التنموي، وهو نوع من العلاج يتعامل مع الطريقة التي ينمو بها الطفل والطريقة التي تداخل بها الإهمال، وهناك العلاج المعرفي والسلوكي، وأيضا العلاج الأسري اذ يمكن للمعالج أن يساعد الآباء على فهم التأثير الذي يحدثونه في أبنائهم ومساعدة الأطفال على تعلُّم كيفية التعامل مع المشكلات التي يواجهونها.
اضافةتعليق
التعليقات