فنجان من القهوة طال دفئه أصابعي وتسلل بين الأوردة لعله يزيل جزءاً من برود استأصل نياط القلب وحل محلها، يرسم تلك الصورة أمامي وتجيء الأحاديث تباعاً ثم تغلب الإبتسامة حزني وترتوي من ذكرى لكثر تردادها داخلي ظنت جدران الروح أنها تهويدة يومية وواجب يكاد أن يكون فرضا.
لو أنني استبدلت تلك الأحاديث بكلمات عابرة، فقط لو كنت فضلت كتاباً في تلك اللحظة على قراءة ملامحك الهزيلة كرجل قش تأخذه الرياح حيثما تشتهي، وربما لو كنت قد استمعت لحديث الزهور وهي تتفاخر بعطرها لكان أفضل من نوتات حبالك الصوتية الشبيهة بكمان قطعت أوتاره.
"لراحة قلبك لا تراقب شيئاً لم يعد لك "
جملة استوقفتني وأنا أمرر يدي لأجس خافقي الذي بات يشكوني لهجرانه وكتمان سيل الآلام التي أسكنته إياها وتركته موصداً دونما سؤال، ثم إنه بعد سيل من التساؤلات أخذت نفساً عميقا وأمسكت هاتفي وعدت بالرسائل.
لأبصر أنها فكرة غبية أن تكون أنت الشبح الملاصق لذات قدسها حدسك، من أطراف وعي المادي واللامادي هناك حقائق لا يمكنني إنكارها كإدمان كان من المستحيل التخلص منه لدرجة لم أكن أبصرها، مرت الأيام بصراع داخلي وخوف يمتد لسائر الجسد هل نتخلص من هذا العبئ أم نبقي عليه في الداخل فلا أحد يراه متناسين أننا كان علينا في بادئ السؤال أن نقول هل يمكننا تحمله لوحدنا أم علينا السماح له بالرحيل؟.
في كثير من الأحيان تصادفنا الكلمات العابرة أو لوحة في منتصف الطريق وأحيانا نشعر لمجرد جملة طالت أنظارنا أنها رسائل من الله، وربما كتاب تشعر أنه يمد ذراعيه مثلما كتاب «السماح بالرحيل» وكأنه يحادثك أن اقرأني بهدوء.
آلية السماح بالرحيل.. ما هي؟
السماح بالرحيل هو أشبه بانقطاع مفاجىء لضغط داخلي أو إنقاص وزن، يصاحبه شعور مفاجىء بالراحة والخفة، مع شعور بسعادة وحرية أكبر، هي آلية واقعية حقيقية، على سبيل المثال، تخيل أن تكون في خضم نقاش حاد وبينما تشعر بالعصبية والغضب يشعرك الموقف كله بالسخف والتفاهة وتشعر فجأة بمشاعر حرية وسعادة، تخيل كيف ستكون الأمور إذا ما تعاملت معها بهذه الطريقة طيلة الوقت في أي مكان ومع أي موقف، قد تشعر دوماً بالحرية والسعادة ولن تكون رهن مشاعرك مرة أخرى، قال الله تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}.
فالسماح بالرحيل باختصار هو عملية تحدث بوعي وتتكرر بناء على رغبتك، وبهذا تكون مسؤولا عن مشاعرك ولن تكون أيضا الضحية.
ضحية أغلال مازلت تتمسك بها رغم أن المفتاح بجانبك ولكن حنين الوقت يداهمك ويروي لك ذكريات حلقات هذه السلسلة وكيف أنك عاشرتها أياما أيهون عليك أن تغادرها بسهولة، فيمر الوقت دون إدراك منك فتجد أنك أضعت الكثير على عهد من ورق يخط عليه بخفة اليد فتنتج عنه ذاكرة صماء تراقص الظلام وترافقه مع كل غمضة عين، فيزداد ضغط متراكم يجعلنا بائسين وهو مصدر للكثير من الأمراض والمشكلات التي تواجهنا، فنحن نستسلم لها ونفسرها بأنها حالة إنسانية، ونسعى للفرار منها فيمضي الإنسان العادي حياته في محاولة تجنب فوضى مشاعر الخوف، أما مشاعر حب الذات فهي مهددة دوما على الصعيدين الداخلي والخارجي.
إذا ما تمعنا في حياة الإنسان، سنجد أن هناك أسلوب بقاء طويل ومدروس ولابد من وجوده وهو التهرب من مخاوفنا الداخلية التي أسقطناها على العالم، في حين أن البعثرة ما هي إلا فترات احتفالية تحدث عندما نتهرب من مخاوفنا الداخلية، لكن المخاوف ما تزال هنا تنتظرنا، فلقد أصبحنا نخاف من مشاعرنا الداخلية لأنها تحمل كمية كبيرة من السلبيات التي نغرق بها إذا ما نظرنا إليها نظرة عميقة، إننا نخاف من هذه المشاعر لأننا لا نملك آلية واعية يمكننا من خلالها أن نتعامل مع هذه المشاعر، ولأنا نخشى مواجهتها فإنها تتراكم حتى نتطلع للموت خفية كي ننهي الألم، ليست الأفكار التي تؤلمنا ولا الحقائق، فالأفكار بحد ذاتها غير مؤلمة، إنها المشاعر الكامنة خلفها.
الحقيقة هو أنه لا يخيفنا الفشل أو البقاء في ذات البقعة مدة طويلة إنما يبدأ الخوف حينما نشعر أنه قد اختفت الرغبة، هو أشبه بأن تستيقظ فجأة فتجد أن النار التي داخلك انطفأت وتوهج عيناك اختفى، أن تنظر للناس كتمثال ينتظر مرور اليوم بكل فوضوية ليشهد يوما آخر ويبقى على هذه الوتيرة كموقد مهجور.
إن انعدام الرغبة كجسد محنط بجانبه كل مايملك ولكن لاشيء ينفعه، لذلك ليكن سماحك برحيل كل ماتحب برضى نفس هو أول ماتفعله لتكوين حطب لموقدك المهجور، إن الاستمرار بالسماح برحيل القيود يسمح للشخص بالنهاية أن يدرك هويته الحقيقية، فالسماح بالرحيل واحدة من أكثر الوسائل فعالية حيث يحقق المرء أهدافه الروحانية، ويمكن لأي شخص أن يحقق هذه الغايات بسلاسة ولين بمجرد أن يمارس عملية التسليم بصمت خل حياته اليومية، فتجربة التلاشي المستمر للمشاعر السلبية لتحل محلها الإيجابية ممتعة في مراقبتها واختبارها على حد سواء وهذا هو هدف هذه المعلومات التي تساعد القارىء في نيل هذه التجارب.
اضافةتعليق
التعليقات