قبل أيام قليلة كنت أتابع برنامجا تلفزيونيا على إحدى القنوات العراقية وكان ضيف البرنامج دكتور في علم النفس ومدرب تنمية بشرية ومن بين الأسئلة الكثيرة التي وجهها له المقدم، سؤال ما، لو انه تمعن به قليلا، أو أدرك ما يقول، ما بحث عن إجابة، نص السؤال يقول؛ (دكتور، متى نتخلص من عيب، حرام، وميصير، في المجتمع؟).
بغض النظر عن ما أجاب الضيف.. نتسائل لو أن (عيب) اختفت من حياتنا ومن تعاملاتنا وهكذا كلمة (حرام) لم نعد نسمعها ولم نعد نقولها ما الذي سيحصل وهل هي مجرد كلمات ثلاث تُرفع من قاموس اللغة العربية؟.
الجواب وبكل صراحة أن هذه الكلمات الثلاث تمثل دستور حياة وقانون إلهي واجتماعي وإنساني والمطالبة بالتخلص منها والتخلي عنها في مجتمع اسلامي، عربي، شرقي، أصيل، يعني أنه سيكون بلا دين.. بلاأعراف.. بلا تقاليد.. بلا حياء.. بلا إنسانية..
فلو تخيلنا أننا لم نعد نستخدم كلمة عيب وانتهت ولم يعد لها ذكر!! يعني أننا نتجرد من عادات وتقاليد وأعراف ومبادئ وقيم والتي لا تنفك عن أحكام التشريع في الكثير منها، والأصيل منها التي نشأنا عليها وتربينا.
ولو أن كلمة حرام اختفت من تعاملنا وعلاقاتنا مع الناس... وعوائلنا... ومن حولنا... ولم نعد نمتثل لما نهانا الله عنه، ونأتمر بما أمرنا الله، ما الذي سيحصل وما الذي سيحل مكانها؟
هل فكرت أنك تنكر الديانات السماوية جميعا ليس فقط الإسلام!! والتي قامت على قانون إلهي فلسفته الحرام والحلال ليعيش الإنسان بسعادة، أما أن لا تقول (ميصير) ولا تسمعها أي لا تنهى عن منكر ولا تأمر بمعروف ولا تسمع نصيحة ولاتقدمها، لا تنصر مظلوم ولا تقف بوجه ظالم، فأنت بذلك تتجرد من انسانيتك، من ضميرك ،من ذاتك، من انتمائك..
ومع تقبل الشباب لكل هذا وأكثر كشر العدو عن أنيابه وأفصح عن الهدف المنشود ألا وهو (سلب الهوية والإنتماء)، حرب الهوية وصلت اليوم إلى الاعلام!! وهي أصعب وأقسى أنواع الحرب، عدونا فيها مدجج بأحدث أنواع الأسلحة فمرة تكون هجماته عن طريق مصطلحات لا أصل لها في اللغة العربية يتناقلها الشباب في ما بينهم وتصبح لغتهم الخاصة، ألفاظ غريبة تصل إلى حد البذاءة يتعلمونها من بعض البرامج والمسلسلات التليفزيونية، ومرة عن طريق ألعاب الفيديو التي تأكل عقول الشباب كلعبة (البوبجي) مثلا..
وأخرى عن طريق حركات وايحاءات يقال عنها أنها ايحاءات جنسية، ومرات عديدة كتسقيط الرموز.. وإنكار فضل الوالدين.. وشتم الوطن.. والاستهانة بالدين والعقيدة..
فينزلق الشاب أكثر، ويترنح في هذا الإطار الثقافي غير المواتي وغير الملائم لإعداد الشاب المنتمي، فنرى البعض انزلقوا وتاهت أقدامهم في زحمة هذه الثقافات، والنتيجة أنهم يشعرون بالضياع والغربة قد فقدوا القدرة على التفاعل وأصابهم شعور غريب جعلهم لا نفع منهم، تركوا خيوط التحكم في حياتهم إلى أيدي غريبة عنهم، وهم في حالة من الركود وعدم وجود الرغبة أو الدافع والتطلع لبناء مستقبل أفضل أو حتى تغيير الحاضر.
في صراع مع ماهو عيب وما هو حرام أصبحوا في حالة تتساوى فيها كل الأمور لديهم، بحيث يضعون أنفسهم في أي مكان، ويفعلون أي شيء، انفصلوا عن ماضيهم وحاضرهم ورفضوا الواقع، حتى ضاعت منهم في زحمة الثقافات كل الاهتمامات الخاصة والعامة، مسلوبي الإرادة لا يملكون من أمر انفسهم شيء، وتعجز إرادتهم عن فعل أي شيء، حتى محاولة التجديد والإصلاح لأنفسهم وما كان منهم إلا تفعيل الغرائز الحيوانية لتقودهم نحو هواهم بعيدا عن السمو.
يسيرون نحو الهاوية بخطوات ثابتة متقبلين كل ثقافة غربية تهدم دين.. عقيدة.. مبدأ.. هوية.. وكثيرا مايرددون أمثال هذه الكلمات دون وعي بمدى خطرها على المجتمع!.
قد يتسائل البعض عن الأسباب التي دفعت الشباب للنفور والتخلي عن العادات والتقاليد والإنفكاك عن الدين وعدم الإلتزام بما حرم الله والانقياد وراء الثقافات الخاوية الهدامة؟.
من أهم الاسباب التي دفعت الشباب إلى ذلك تهاون الأسرة (الوالدين) في تربية ابنائهم فإما إعطاء الأبناء مطلق الحرية في الإنفتاح التام على العالم والثقافات الهدامة دون تحصينهم حصانة دينية أخلاقية ودون تعليمهم الإسلام الحقيقي من مصدره الموثوق وهم أهل البيت (عليهم السلام) وإفساح المجال للحداثة والثقافات الدخيلة تأخذ محل العادات والتقاليد.
أو أنهم متشددين، متعصبين، أبنائهم يعانون الكبت الزائد عن الحد والتطويق الخانق دون فسح المجال أمامهم واعطائهم الحرية النسبية مع المراقبة والمتابعة.
كلا الحالتين أدت الى حالة النفور والانفكاك لدى الكثير من الشباب، جعلتهم يقعون في المهالك مع أولى تجارب الحرية.
السبب الثاني؛ للمجتمع يد في تخلي الشباب عن الهوية وعدم الانتماء وانفكاكهم عن الدين وجعلهم غير ملتزمين، على سبيل المثال غلاء المهور وطلبات تثقل الكاهل، كم من الشباب يتقدمون لطلب الزواج ويواجهون بالرفض بسبب ضعف الحالة المادية، ولعدم تلبية طلبات ما أنزل الله بها من سلطان، يضعون قوانين الله ورسوله وراء ظهورهم، ويتماشون مع الحداثة وما فرضته عليهم الثقافات الهندية.. والتركية..
فيعزف الشباب عن الزواج موجهين مشاعرهم للعالم الافتراضي مع فتيات نالهن من الانفكاك والإبتعاد ما نال الشباب وأكثر.
السبب الثالث والأهم، أن الإنسان على نفسه بصيرة فلو أنه وضع لنفسه حدود ونزهها عن ما يرديها خصوصا وقد أصبح الإنحلال الأخلاقي بديهي، والتدني والوضاعة من التطور والثقافة، لما ضاع مع من ضاعوا في طريق الحداثة، خصوصا وقد بين الله الجزاء الحسن والمثوبة لمن يراقب نفسه ويحاسبها فقال تعالى؛ (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ المأوى).
هنا لابد لنا أن نتدخل ونقف لحماية شبابنا وبناتنا وتوعيتهم، فنعكس المسببات التي هيئت البيئة لضياع الهوية ونتكاتف لصد هجمات العدو بتفعيل دور الأسرة والمجتمع ومحاسبة النفس.
اضافةتعليق
التعليقات