"فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ، وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ! أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ، وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ.. وَسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ، وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ.."
كلماتٌ موجعة شجية بثّها أمير المؤمنين )صلوات الله وسلامه عليه( عند قبر رسول الله )صلى الله عليه وآله(، معلنًا بها عن عظم مصابه بما جرى على وديعته الطاهرة الصديقة فاطمة الزهراء )صلوات الله وسلامه عليها(، المهضومة، الموجوعة، المقهورة المكسور ضلعها ، المغصصة بريقها ،الملطومة على عينها، والمسقط جنينها المحسن صلوات الله وسلامه عليه على أثر هجوم مباغت شرس على دارها التي جعلها الله تعالى محلًا للوحي والملائكة يذكر فيها اسمه.
فاجعة تاريخية عظيمة ، صيّرتها منابرنا في كلمات وأشعار شجية تردد كل عام في الأيام الفاطمية ، وطبعا لا ضير في ذلك .. لكن مسألة الدفاع عن تلك الظلامة ونصرتها لا زالت عندنا في مرحلة ابتدائية ، وهذا مما شجع البعض أن يقول بعدم أهمية الرجوع إلى الماضي وفتح ملفاته (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)البقرة 134.
مع إن ذلك من أهم الأمور وأفضلها عند بعض الأمم والدول التي تهتم بحضارتها وثقافتها وهويتها التاريخية ، والتي تعتز وتفتخر بمصادرها وتراثها العلمي ولا تقبل بالعَبثِ والتفريط فيها ولو بقيد أنملة ، مع ما بها من زلات وهفوات وضعف.
بينما الحال عندنا فهم بالمقلوب والمعكوس، فلا اكتراث ولا مبالاة عندنا في حجم ما فقدناه من تراث ومعارف وعلوم أهل البيت )صلوات الله وسلامه عليهم( التي بعثرت طوال التاريخ بسبب تقصير اليد وإهمالها ، ولا إقبال جدي منا على دراية ومعرفة ما تطويه ثنايا كتبنا ومصادرنا النفيسة من تلك العلوم والمعارف الزاهرة والاستفادة منها ، رغم قوة ما عندنا من تراث باهظ .
لهذا السبب تعاني منابرنا ومحافلنا الدينية من أزمة المادة والخطاب الملقى عليها ، رغم عمر المنبر وخطابه المديد إلا أنه حتى اللحظة الراهنة لم يوجد جيلًا صادقًا مناصرًا مدافعًا على مستوى العالم كله عن قضية الزهراء ومظلوميتها صلوات الله وسلامه عليها.
ومن أعظم ظلامات سيدة نساء العالمين ونحن عن ذلك مسؤولون أمام الله تعالى ، أن نجد اسم من آذاها واشعل الحطب على بابها وتآمر على قَتلها وقتل بعلها علي سيد الكونين وأبنائهما صلوات الله وسلامه عليهم ، يتربع بصدارة فوق منابرهم ويُعظّم ويبجّل ويحترم ، والفاطمي المحب في غفلةٍ وسنةٍ ونوم ، لا يحرك ساكنًا ، فهو مشغولٌ بين شكوكه وظنونه بلا بصيرة ولا علم ، فقد مسك بالفرع فضاعت منه الثمرة!
فلنجتهد ونثابر بوعي ودراية على معرفة ونصرة من وصفها الإمام جعفر الصادق صلوات الله عليه ب"المجهولة قبرا والمجهولة قدرا"، حتى لا نكون والعياذ بالله مشمولين في الفعل مع من ظلمها وآذاها ، كما قال سيد الأوصياء ويعسوب الدين في نهج البلاغة (الرَّاضِي بِفِعْلِ قَوْمٍ كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَهُمْ، وَعَلَى كُلِّ دَاخِلٍ فِي بَاطِلٍ إِثْمَانِ: إِثْمُ الْعَمَلِ بِهِ، وَإِثْمُ الرِّضَى بِهِ).
وكم هو جميل غدًا يوم تأتيك مولاتك فاطمة البتول ، شَافعة مشفعة لناصرها ومحبها، تلتقطك من بين كل الخلق وتقودك إلى جنان الخلد وتخلصك من أهوال يوم القيامة " لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّه.." التوبة 120.
اللهم اجعلنا من شيعة وخدمة فاطمة البتول الطاهرة "أللَّـهُمَّ صَلِّ عَلَى فاطمة وأبيها وبَعلِها وبَنيها والسرِّ المستودِعِ فيها عددَ ما أحاطَ بهِ علمُك".
اضافةتعليق
التعليقات