قال تعالى: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(التوبة:41)، وإن كانت هذه الآية تتحدث عن الحث للالتحاق بركب المجاهدين في مواجهة الأعداء، إلا إننا نحتاجها أيضًا في ساحة مجاهدة النفس التي هي أعدى أعدائنا - كما تشير الأحاديث- ويمكن أن تكون شعاراً لنا في اللحاق بالضيافة الإلهية، لذا يمكن القول إن الآية صنفت الناس في المجاهدة لأنفسهم وسرعة حركتهم واقبالهم وقبولهم للدخول في هذا الشهر الى صنفين:
الصنف الأول: المُخفين
أولئك الذين قد تهيئوا، واستعدوا قبل مجيء الشهر، هم تعرضوا للرحمة المصبوبة في شهر رجب، فصُبت عليهم الرحمات حتى أزالت الشوائب المُكدرة للروح والعَوالق المُتراكمة في القلب، فأصبحوا من ذوي الأرواح الخفيفة والقلوب السليمة، ومن ثم اغتنموا شهر شعبان، فتشعبت داخل قلوبهم النوافذ المُفتحة لتكون مواطن استقبال أنوار شهر رمضان ورحماته وخيراته وبركاته.
لذا تجد نفورهم وحركتهم للدخول في ضيافة الله تعالى سهلة وسريعة، لأنهم كانوا بحالة ترقب ليدخلوا به ليتكاملوا ويزدادوا اشراقًا أكثر، بما يتلاءم مع معرفتهم بربهم، ورسالتهم في هذه الحياة، وتكليفهم الملقى عليهم خلال وبعد انقضاء الشهر.
ليحظوا بالعناية والضيافة التي تليق بهم كعبيد، هم أرادوا أن يكونوا من الممتثلين لأمر معبودهم الذي قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة:183)، ومن اللائقين بأن يكونوا ضيوفًا فيه... ضيوفًا لم يأتوا للأخذ والتنعم بما يجود به الكريم في هذه السُفرة الممدودة الكريمة طيلة ثلاثين يومًا، بل ليكون كل واحد منهم ضيفًا محبوبًا مرضيًا مقبولاً مقربًا عند صاحب الضيافة (جل وعلا).
الصنف الثاني: المُثقَلين
هؤلاء الذين كانوا يعيشون الحياة بشكلهِا النمطي المعتاد، كانوا من أهل الغفلة لعظيم ما هم داخلون عليه! فما استثمروا شهر رجب وشعبان كبوابة للدخول لشهر رمضان، إذ لم يتخذونهما وسيلة لتنقية وتطهير ما فيهم، وما بهم من موانع.
وهؤلاء محتاجون إلى أن يكونوا من [أهل النفير] إلى الله تعالى لا من [أهل النفور]، أي لا يكونوا ممن يرى إنه مثقل فهو إذن لا يليق بهذه الضيافة، بل العكس! لابد أن يكون من الفارين إلى هذه الضيافة، ليُطعمهم ربهم مما فيه دواءً لأرواحهم، ويسقيهم مما فيه طهارةً لقلوبهم، فيتخففوا؛ ليلحقوا بالصنف الأول.
فقول رسولنا الأعظم (صلى الله عليه وآله): [أيها الناس! إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور]، إشارة إلى إنها دعوة عامة، ومن المُفترض أن الكلَ يكونون من القابلين على هذه الضيافة؛ لأنه شَهرٌ الجميع فيه مقبول، والجميع له منه نصيب وحظوة، فليس من الأدب أن يتباطأ أو يرفض هكذا دعوة أي فرد من الناس.
لذا فالشقي من حَرم نفسه من الإقبال على هكذا ضيافة، وهكذا رب كريم غفور رحيم، والسعيد هو من سارع بتلبية الدعوة أيًا كان حاله، لأنه شهر يُحسن المُحسن -تبارك وتعالى- فيه الأحوال بحسنِ حاله، وجميل ألطافه.
اضافةتعليق
التعليقات