بكل انفعال أشار باصبعه نحوها وبدأ بالكلام بطريقة جدية، سقط الكأس من يدها وتناثرت أجزاؤه واتسعت مقلتاها، هل أنا هكذا حقا ثم تبعت الصدمة سرب من الدموع الصامتة، أنزلت رأسها وغادرت المكان بكل هدوء، كان كلامه بالنسبة لها أشد من وخزة وأخف من جرح، هكذا بكل بساطة شيء في المنتصف لايستحق عناء البكاء الذي حدث لكنه شوه شيء في داخلها يستدعي تنهيدة طويلة، شيء ما ثار داخل رأسها حتى بدأت تحدث نفسها وشعرت أن داخلها شيء يناقضها وأنها قد كسرت من الداخل.
كلنا ندرك معنى الصراحة ولكن هناك من يجهل الخيط الرفيع بين الصراحة والوقاحة ويعتقد أن مايقوله الصراحة ولكن في حقيقة الأمر هو أنه عين الوقاحة..
زميلتي الصريحة كما تظن ألقت علي كلاما بغاية الألم وجعلتني أشعر بكسر كبير واستفهامات شائكة تقيد مخيلتي هل أنا حقا هكذا لكنها في الحقيقة كان عليها أن تخبرني بطريقة ألطف لأجرب القرب منها واكتساب ماتقوله هي الفضائل والابتعاد عن أخطائي وأنا كثيرا ماأجرب أن أتريث في قولي وأنسحب من أغلب النقاشات لكي لا أبدو الخاسر الكبير في المنتصف.
دوما ماأحاول الحفاظ على الاخرين بالابتعاد عن صراحة ربما تصبح وقاحة دون أن أعلم، فالصراحة قد تجرح ولكنها حقيقة، أما الوقاحة لاتجرح فحسب بل تشعل نارا بداخل الشخص الذي وجهت له، فهما كليهما متشابهان ولكن الاختلاف بطريقة العرض.
مثلا أنا أشاهد الأغلبية ينتقدون بطريقة غريبة مما يزيد الأمر سوءا بل إنهم تجاوزوا الصراحة ووصلوا إلى وقاحة اللسان وإن أكثر مايثير اهتمامهم: (ماذا فعلت الفتاة، ماذا ارتدت، كيف سارت، طريقة حديثها، مكياجها، أسلوبها، ضحكت، وقعت) وأسئلة كثيرة تجعل منهم مجرد رأس فارغ يسير على الأرض ولايحتويه سوى كلمة فتاة ولو أنهم جربوا تغيير طريقة العرض لربما كان المقابل استجاب للنصح، مثلا بدل أن يقولوا: إن لبسك ضيق تماما وانتِ تثيرين الفتنة والفاحشة وما يتبعها من وقاحة اللسان، كان عليهم ان يخبروها: إن طريقة اللبس هذه تظهر عيوب الجسد وتجعل شكله غير جميل وغير مقبول للعيان وربما لو ارتدت الفتاة بهذه الطريقة ستبدو أكثر جمالا وأناقة من السابق، أو بدل أن يبدوا اعجابهم بممثلات الغرب ومقارنتهن بما يوجد لدينا لما وجدوهن يملن لتشويه أنفسهن فقط ليبدون كما الممثلات والحقيقة هي بشاعة التشبه فقط لارضاء الآخرين.
وأيضا يمكننا اخبار من هو ضعيف بالدراسة أنه ليس فاشلا كما ينعته استاذي الذي حينما يدخل القاعة يشعرنا أننا كتلة من الغباء وأنه متفضل للوقوف أمامنا برمي تلك الكلمات البسيطة ويخبرنا في نهاية المحاضرة أنه متأكد أننا لم نفهم شيء فنحن حتما لانفهم، ولكن كان بإمكانه اخبارنا أننا ضعيفين في هذه اللغة وأساسنا غير ثابت، أو ليسألنا عن الطريقة الأمثل التي نستوعب بها ليشرح لنا ويريح حنجرته من التغريد كل يوم.
وأيضا ذلك الذي يختبئ خلف (كيبورد) لايتعدى حروفه وينتقد ويثير فتنة القول ويتكلم عن هذا وذاك كان بامكانه تغيير طريقة العرض بنشر الفضيلة لتستحي منه الرذيلة، في الحقيقة أنا لست بفاشلة فقط لأن أستاذي يرى ذلك وأنا أيضا لست بمخطأة الطريق فقط لأن الخطأ يراني مثله فما من وقح يخرج منه فضيلة وإن كانت كذلك فلطف القول يجذب وسوءه يبعد كل المحاسن ويرسم في عقولنا صورة مشوهة للمقابل مهما كان صالحا سنتجنبه لأنه لايعرف طريقة العرض وهو متسرع بكل شيء ويرمي الكلمات كالسم الذي ينهش الجسد.
فبعض الكلمات تفعل ماتفعله الكدمات وأشد، يقال أن كل طائرة تحلق فيها صندوق أسود واحد يسجل كل مايحدث فيها وعندما تسقط الطائرة لسبب ما يبحثون في حطامها عن هذا الصندوق الأسود ففيه تقبع كل أسرار السقوط ومنه يمكن معرفة لماذا تحطمت الطائرة.
والحقيقة أنه في كل انسان كهذا الصندوق تكمن فيه كل المحاسن والرذائل الذي يحوي أسرار سقوط الانسان من أعلى قمة له ونحن علينا أن نتعلم سر السقوط قبل التحليق الآمن وأن نبادر بلطف الكلمة قبل وقاحتها فكل كلمة جارحة تجعل منه أكثر سوادا وانكسارا، قال الامام علي (ع):- {ليت رقبتي كرقبة البعير, كي أزن الكلام قبل النطق به}. ولكن مع الأسف بعض الناس كرقبة البوم التي لاتملك رقبة من الأساس، يرمون الكلام كرمي الحجارة.
اضافةتعليق
التعليقات