تمثل العوامل المجتمعية على اختلاف أنواعها ومجالات تأثيرها البيئة الحاضنة والركيزة الأساس في عمليات النشأة الاجتماعية للفرد لما لها من الأثر الأكبر في عملية التفاعل الاجتماعي والنفسي للفرد والمجتمع على حدا سواء.
فالبيئة الاجتماعية على حد تعبير الكثير من علماء النفس والاجتماع هي البودقة البشرية الأولى والأكثر تأثيرا على سلوكيات الانسان وتطور حركته الفكرية والثقافية، ومن هذا المنطلق سوف يتم التطرق لبعض العوامل الأكثر تأثيرا في حركة الانسان وأمنه الفكري بما ينسجم مع تطلعات وأهداف هذه الدراسة ومن أبرز هذه العوامل المجتمعية هي:
أولاً: العوامل الاجتماعية
يعرف هذا النوع من العوامل بأنه مجموعة من المؤثرات التي يتمايز بها الوعي الفردي أو الجمعي إزاء المواقف والأحداث والظواهر وتبنى عليها العديد من السلوكيات والقواعد والأنساق الاجتماعية العامة وتعد العوامل الاجتماعية من أقوى العوامل تأثيراً على الواقع الاجتماعي لما لها من دور بارز في تحديد شخصية الفرد وتنظيم سلوكياته في أطر وقواعد معينة تجعل من تلك السوكيات تسير وفق متغيرات هذه العوامل وتؤدي العوامل الاجتماعية تأثيراً بارزا في تحقيق مفهوم الامن الاجتماعي.
فانتشار مظاهر الحروب والنزاعات المسلحة فضلا عن بروز ظاهرة الإرهاب الدولي أثر كثيرا في إشاعة مظاهر الفوضى والانفلات على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية والمجتمعية في الكثير من بلدان العالم وبات الفرد في العديد من جهات العالم المختلفة لا يشعر بمفهوم الأمن بالقدر الكافي مما أتاح الفرصة أمام خلق فوضى الاعلام غير المنضبط والتسويق المعرفي المؤدلج والتي تؤثر على الحالة الفكرية للشباب أكثر من غيرهم في صياغة مسالة الخوف من المستقبل والرؤية المظلمة التي تطرحها الكثير من الأفكار والتيارات والجماعات المتطرفة في هذه المجاميع من أفكار.
لذا فإن رؤى صناعة المستقبل بالشكل الذي تؤمن به مسألة الحفاظ على البنية الاجتماعية للمجتمع باتت تمثل ضرورة قصوى في بناء الاستراتيجيات الفكرية والأمنية للعديد من دول العالم لاسيما العراق الذي عانى ويلات الحروب والنزاعات المسلحة طيلة العقدين الماضيين على وجه التحديد ولعل من أبرز مرتكزات الأمن الاجتماعي هي العدالة الاجتماعية التي تنظر إلى جميع طبقات المجتمع الواحد دون فوارق وحواجز طبقية فضلا عن توفير عادل واشباع مقبول من الخدمات لجميع أفراد المجتمع.
ويعتقد الكثير من الاجتماعيون أن تحقيق مفهوم الأمن الاجتماعي محكوم بتوفر وسائل الضبط الاجتماعي ومدى قبول الفرد بها من جانب وقدرتها على التأقلم مع متطلبات المجتمع من جانب آخر بما يحقق مدى من الأمن والطمأنينة وحماية مصالحه العامة ويأتي دور القيم والمفاهيم المجتمعية في سلسلة تأثير تلك القيم على واقع الأمن الاجتماعي ومتطلباته فهي تمثل ركيزة كبيرة في اطار توفير مستوى مقبول من الأمن الاجتماعي للمجتمع من قبيل المفاهيم الدينية والشرعية التي تفرضها الأديان كالتزامات فردية أو مجتمعية تؤمن توفير مستوى لائق من الأمن الاجتماعي بكافة جوانبه.
ولعل للروابط الاجتماعية والثقافية التي تفرضها منظومة القيم الاجتماعية دوراً كبيراً في شخصية الفرد فمثل هذه الروابط الاجتماعية تفرض مجموعة من السلوكيات الجمعية للأفراد على مستوى التعاون والتضامن والاحترام والتعاطف بما يخلق بيئة آمنة نوعا ما بين أفراد هذه الجماعة او تلك مما يولد نوع من الانتماء الذاتي لتلك الجماعة ويوجب على الفرد نفسه أن يحافظ على أمنها واستقرارها على المستويات كافة.
ثانياً: العوامل الاقتصادية
يأتي دور العوامل الاقتصادية بشكل مباشر على واقع الأمن المجتمعي من عدة وجوه لعل أبرزها مفهوم الأمن الغذائي الذي يمثل أحد أهم دعائم مرتكزات الاقتصاد المعاصرة فهو بمثابة العامود الفقري للأمن الاقتصادي الشامل فتوفر قدر مناسب من الأمن الغذائي لأي مجتمع يعني توفر قاعدة رئيسة للأمن الاقتصادي لذلك المجتمع، فالأمن الغذائي لا يقل أهمية عن الأمن السياسي للمجتمع فتوفر أمن للغذاء بعيداً عن الضغوط السياسية والاقتصادية يمثل فرصة مهمة في تحقيق مبدأ العدالة الاقتصادية لجميع فئات المجتمع لاسيما الفئات الهشة منه التي تعاني من ارتفاع مستويات الفقر وعدم القدرة على الحصول على الموارد اللازمة للمشاركة في انتاج الاقتصاد القومي للدولة.
ولعل من أبرز مظاهر العوامل الاقتصادية الضاغطة على المجتمع وبالتحديد مجتمع الشباب هي مسألة البطالة التي تمثل أخطر أنوع التحديات الاقتصادية المعاصرة أمام فئة الشباب العنصر الحيوي في البناء والتجديد والمعول عليهم بعملية النهوض الاقتصادي والانتاجي لجميع مؤسسات الدولة وهنا تقف مشكلة البطالة حائلا أمام توجهات الشباب وتوظيف قدراتهم العقلية والجسدية والإنتاجية وتهدر طاقاتهم المتجددة من خلال عدم الحصول على فرص عمل لائقة ومناسبة لقدرات الشباب الاقتصادية مما يفوت الفرصة على الدولة ومؤسساتها في الحصول على مزيد من عمليات الإنتاج الاقتصادي.
وهنا تلعب ظاهرة البطالة دورها السلبي في هجرة الشباب من أوطانهم إلى بلدان وأقاليم أخرى مما يفقد البلد الأصلي طاقاته الديموغرافية المتجددة فضلا عن ظهور العديد من الانحرافات السلوكية للشباب العاطلين عن العمل من قبيل بعض التوجهات السياسية المنحرفة أو تبني بعض وجهات النظر الأكثر تطرفاً وعنفاً ناهيك عن فقدان الهوية الوطنية وضياعها من قبل الكثيرين الذين يعتقدون بأن الموطن الأصلي هو ذلك الوطن الذي يوفر الكرمة والحرية والعيش الرغيد لمواطنيه وليس مكان المولد للأفراد.
وهناك وجهاً أخطر للبطالة والتدهور الاقتصادي للدولة وهو ظهور حركات سياسية أو جماعات أيديولوجية متطرفة تؤمن العنف والاقصاء بدعاوى التغيير وتحقيق العدل الاجتماعي والتي قد تكون وجها لوجه أمام سلطة الدولة وسيادة القانون مما قد ولد تفكك واضح للحمة الاجتماعية لأفراد المجتمع الواحد.
ثالثا: العوامل النفسية
تمثل العوامل النفسية إحدى أبرز العوامل المؤثرة في حياة الفرد في مجال السلوك الحياتي، ويمثل مجال علم النفس الفرد من بين المجالات البحثية التي ترتبط بمفهوم صحته النفسية التي تعرف على أنها قدرة الفرد على التوافق مع نفسه وتوافقه مع مجتمعه.
بمعنى أدق سلامة الفرد من الصراعات النفسية التي يتعرض لها خلال مسيرة حياته، وقدرته على التكيف مع المحيط الذي يعيش فيه بصرف النظر عن نوعية المشكلات التي تواجهه فالاستعدادات النفسية للفرد تأتي من جملة عوامل لكي يواجه مشاكل الحياة المختلفة ويقف على رأس هذه العوامل ما يعرف بمبدأ الصمود النفسي الذي يعده علماء النفس بأنه طريقة الرجوع إلى الذات وذلك بالاعتماد على المميزات الشخصية التي يمتلكها الفرد وقدرته على مواجهه التحديات بما يضمن معالجات أسرع في تحدي المعضلات والأزمات.
فالتكنلوجيا المعاصرة وما يرافقها من تحديات نفسية ومجتمعية تلعب أثرها في طرح نماذج فكرية وايدولوجية متعددة على مختلف المستويات الفكرية والثقافية والتعليمية وحتى الشخصية والتي تحضى بمستويات عالية من التفاعل الحيوي لدى فئة الشباب على وجه الخصوص عبر وسائل تواصل تكنلوجية متطورة في الاتصال والتفاعل والاستمرارية وبث كل ما هو جديد ومؤثر على مجالات الفكر والحياة والتصنيع والتكنلوجيا والبيئة والطبيعة ومختلف مجالات التفكير الإنساني. وتعد عملية التفاعل معها من قبل المستخدمين لهذه الوسائل التكنلوجية عملية معقدة للغاية فمنهم من يرى فيها أهدافه المنشودة ومنهم من يراها دعايات مغرضة وآخر يعتبرها من وسائل العصر الحديث والأهم في ذلك هو عاملين أساسيين هما نوعية المحتوى الثقافي والاستعداد النفسي للفرد لهذا المحتوى .
فاختلاف الطروحات والمحتويات الثقافية والفكرية التي تنشدها الجهات التي تقف وراءها اغراض مختلفة وتوجهات مختلفة من ناحية فضلا عن مقدار استعداد الفرد الشاب لهذه المحتويات أيضا مختلفة بحسب مستواه التعليمي والثقافي وإدراكه لتقنيات التكنلوجيا الحديثة جميعها متغيرات معقدة التفسير في الخروج برؤية واضحة المعالم والأهداف حول طرق تفاعل الشباب وقدراتهم النفسية.
اضافةتعليق
التعليقات