عادت حزينة وبشعور صدئ معلق كفانوس قديم لم يعد يضيئها شيء وظنت بأنه الشعلة التي سترسم النور على حياتها حتى ارتمت في أحضان المجهول وغادرت نحوه بصوت أعرج يتكئ على اسمه وقالت هذا الكتف الساند، خطواتها تجر بعضها كحلم ساذج يرتعش مثل ضياء مخنوق متأرجح مابين شك حلمها ويقين وجودها.
امتدت يداها نحو الهاتف وكتبت التالي: نازعتني اليوم نفسي إليه أنا عالقة في هواه هل من مهرب ياترى، لما هذا التشاؤم هل سيتحقق حلمي بمجتمع يرى الحب جريمة والعاشقون أشبه بكفار يسيرون على أرض الواقع، وإن أرادوا الوصال عليهم البحث عن مبررات الوقوع وحجج اللقاء عندما يكون حب أو لنقل أنه حب على ما اعتقد.
إن الحب يفوق كل هذه الأشياء وهو شيء مقدس لايوصف ولاتحده كلمة، شيء يقاتل من أجله كما قاتلت زليخة لتحصل على عرش في قلب يوسف عليه السلام، الغريب أنني أرى اليوم كلهم ضحايا الحب وشعراء عشق فشلوا، كيف بدأ لا أعلم لكنهم يروون نهاية مأساوية ويشاركونا بها لكن ألم نتساءل يوما هل كل حروفهم حقيقة أو هل كان حبا؟.
ارتمت بعدها منى على أحضان الأريكة وضمت قدميها إلى وجهها وبدأ الصداع يلعب دوره في لحظات الخذلان وفي غضون ساعة فتحت الجوال أكثر من ألف مرة متأملة برسالة صغيرة تطفئ لهيب الندامة، كيف مر كل هذا الوقت وارتضى بعده أن يتركني بحجة الظروف الواهية ليت كلامه اليوم كان مجرد حلم وسيبعث لي برسالة مفادها أنه كان يمزح وهو قرر أن نجتمع مدى الحياة فهو كان يخبرني دوما أن أكون وفية وأن أدافع عن علاقتي به، علاقة صامتة لاتتعدى الرسائل وبعض المكالمات، أن أرفض وأرفض كل شيء وأتقيد حتى بكلامه وكأنني مربوطة بعلاقة رسمية ظاهرة بينما هي في سرية تامة تخشى الظهور للعيان، رفعت الهاتف للمرة الأخيرة، نظرت، لاشيء ماذا يعني، هو شعور وانكسر لابأس.
هكذا نحن حينما نتعلق ننسى أنفسنا، لأركز على كلمة تعلق حيث نفكر فيما يجمعنا بهم لامايفرقنا عنهم وحتى إن كان ما يربطنا هو روابط القلب فقط وإن كانت روابط الواقع منقطعة تماما، مثلا على العشاق اليوم التضحية والتي يفرضها المقابل بحكم أنه رجل فتهيم الفتاة عشقا به وتبتعد عن العقل أميال وأميال وعن حياتها وعليها أن تثبت أنها الوفية وأن تثق على طول الطرق ثقة عمياء وتنتظر حتى يبدأ الطرف الآخر بالتحرك قليلا والتفكير بارتباط تام لاتبعده مسافات.
عليها أن ترتدي رداء الخجل إلى أبعد حد ممكن حتى يتجاوز تفكيرها وحقوقها أو بالأحرى ربما كل مايحدث له سبب معروف لكن الجميع يتجاهله بحجة أنه تكمن تربية الفتاة بالقسوة والحرمان وتذكيرها كل يوم أنها فتاة والفتاة ليست كما الذكر بكل شيء وأن الخطأ إن ارتكب من قبل فتاة فهو فاحشة عليها عقاب عسير، وأما الذكر فهو متاح له كل شيء فلا شيء سينقص منه فهو بطبيعة الحال رجل والرجل لايعاب كما يقولون!.
من أين أتت هذه الفكرة العقيمة، من قال أن الفتاة يجب أن تتحمل وزر الخطأ بينما الذكر يعفى عنه لأنه لايعاب، أي عقل جاهل رجح صحة هذه الفكرة ورسم الطريق لها ولكن الطامة الكبرى هو جهل كل من يتبعها ويحقق مطالب الجهل أن الفتاة عار والذكر تاج وإن كان صدأ لايطاق، اليوم أكثر الأسباب التي تؤدي بتصديق وهم الحب هو كبت عاطفي وضعف تفكير المحيطين. مثلا، إن كلمة (أحبك) كلمة جميلة ترسم بالنفس شيء لايوصف أو حتى عند سماعها تصبح الروح ترفة أكثر وقولها ليس سيء إن قدمناها لمن حولنا لكن إن ظننا أن القسوة هي من تصنع الأخلاق فقد اخطأنا وكثيرا أيضا، وعند سماعها لأول مرة ونحن بعمر نحتاج به للين سنرى أنه علينا التشبث بأي جذع يعطينا هذه الثمرة دون التأكد فيما إذا كان ساما أو لا.
أو لنقل زهرة مثلا إن اعتدنا على أن نكون في العائلة أحباء تتبادل فيما بينهم كلمات الجمال أو أن يقدم أحدهم زهرة لنا فهذا ليس بالشيء السيء فحتما هو سيرسم لنا شعور جميل ويجعل الزهور هدية رائعة ليست بذات قصد سيء وحين يقدمها أحد من الخارج فهذا لايعني أن نقدسه إلى حد جعله ملاك.
تكلموا جميلا فيما بينكم وتهادوا الزهور واحبوا نسائكم واياكم أن تنظروا لهن أنهن عورة بينما هن قوارير، قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: (رفقا بالقوارير). فرفقا بهن فهن زهور تذبل من الكلام والنظرات، عاملوهن كما الزجاج ولمعوهن بالجمال والحب فالنساء تستحق.
أول زهرة قدمها لي أخي احتضنتها وكان هذا الشعور الأول، ودوما مايكون الشعور الأول مقدس كالطفل الأول للأم، وكل شعور بعده مجرد شعور لطيف لايقدس، فاحرصوا أن تكونوا أنتم أول من يحصل على شرف التقديس قبل أن يسبقكم مجهول إليه، فالنساء كتلة من المشاعر تسير على الأرض.
اضافةتعليق
التعليقات