عندما نأتي إلى مفهوم الفقر، في الوهلة الأولى لسماعه يتراود إلى أذهان الكثير من الناس هو قلة الواعز المادي الذي يملكه الإنسان لكي يُسّير حياته اليومية، لكن عندما يحيطه مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في أحاديثه المروية عنه نجده ركز عليه كما في حديثه: (لو تمثل لي الفقر رجلاً لقتلته).
فليس من المعقول حينما نرجع إلى زمن الامام علي (ع) نستذكر أن هناك عائلة كانت تعاني من الفقر!، فقد أثبتت الكثير من الروايات المعتبرة التي لا يسعفنا تلخصيها في سطور أن زمن حكم الإمام علي (ع) لم يشهد أحد فيه عائلةً محتاجةً للمال وتحولت الأرض آنذاك إلى نعيم حتى قال هو (ع): (ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له بالقرص! ولا عهد له بالشبع!).
بهذا نستنتج أن الحديث الشريف للامام (ع) بوصفه الفقر لم يقصد به المعنى السطحي، إنما له معاني أخرى فيتوسع لديه مفهوم الفقر إلى عدة مفاهيم منها: الفقر العلمي بقوله: (لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل).
والحرمان من الثقافة العامة والطريق الصحيح بقوله: (أكبر الفقر الحمق).
والفقر الروحي والأخلاقي بقوله: (أكبر البلاء فقر النفس).
والفقر للأمن والحياة المتوازنة الإجتماعية والسياسية بقوله: (وما أنتم بركن يمال بكم، ولا زوافر عز يفتقر إليكم).
لا يزال الفقر يخيم على البشر منذ خلقة البشرية، وتعتبر هذه الظاهرة من الأمور المعقدة على مستوى الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومتشابكة للدرجة التي لا يمكن حلها جميعاً في آن واحدٍ. يمكن تخيل أن الإمام علي (ع) بوصفه للفقر وجسده بالرجل ليقتله! ما هي إلا اشارة إلى عظيم الأمر، ذلك ليس استنقاصاً لمقام وقدرة الإمام علي (ع)، لأنه سلام ربي عليه له المكانة الكبرى عند الله عز وجل والمعاجز الكثيرة التي شهدت له خلال سيرة حياته وبعد شهادته وأنه بحكمته قادر على أن ينهي مسألة الفقر.
لا يمكن حل هذا التشابك بأي وسيلةٍ كانت مهما بذل الناس من مجهود لأن المرجع الوحيد هي القدرة الإلهية وحكمة السماء في تقدير وتيسيير سُبل الحياة.
قد لا يعني إن كان الفقر بيد القدرة الإلهية أن يجلس الإنسان مكتوف الأيدي وينظر إلى السماء ويطلب الغنى من غير عملٍ أو حركة!
بل أن يكد الإنسان لنيل مطلبه مهما كلفه الأمر، وأن يلتزم بمفهوم العدالة وأن يستعين بحكمة الإمام علي (ع) في زمنه سواء بالجانب الإقتصادي أو الإجتماعي أو على مستوى الطبقة السياسية، وأن لا يخشى من المطبات التي تعترضه في المسير لأن حقيقة الحياة لا تسير بإتجاهٍ واحد وبشكلٍ مستقيم، لكن على الفرد أن يسترشد الطريق القويم من خلال احاطته التامة بما يتوجب عليه من أعمال فالحياة واحدة وعليه أن يخشى فقط من الله عز وجل .
اضافةتعليق
التعليقات