"لدغات القُراد قد تسبب الموت" عنوانٌ خبري يجذب الانتباه ويسبب الاشمئزاز. وتكثر الكراهية عند رؤية الصور المتعلقة بهذه الحشرة الصغيرة السفاكة والهدامة. هذه الحشرة هي أحد أنواع العناكب الصغيرة التي تتغذى على الدم.
القراد يعيش في جسم الحيوانات، حيث يتغذى منها. إنها حشرات صغيرة تنتقل إلى جسم الإنسان عن طريق تلامسه مع الحيوانات الأليفة وغيرها. وبما أن هذه الحشرة تعيش على دم الإنسان والحيوانات، فإنها لو كانت مصابة ببكتيريا، فقد تُصيب الإنسان والحيوان بمرض خطير قد يؤدي إلى الوفاة.
وقد سُجّلت حالات لأشخاص وحيوانات أُصيبوا بهذه الأمراض وفقدوا حياتهم. عندما كنت أبحث عن جذور كلمة "الحسد"، أشار الأستاذ إلى أن أصل هذه الكلمة يُترادف مع كلمة "حَسْدَل" (القراد)، ووجه الشبه بينهما أن الحسد يقشر القلب كما يُقشّر القراد الجلد ويمتص الدم.
في رسالة طويلة من مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) إلى أصحابه، ورد:
عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كتب بهذه الرسالة وأمرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها. وكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم، فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها.
قال فيها عليه السلام: "بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فاسألوا الله ربكم العافية..."
وبعد سطور، يقول عليه السلام:
"وإياكم أن يحسد بعضكم بعضاً، فإن الكفر أصله الحسد."
لو سألنا: لماذا أصل الكفر الحسد؟
نستطيع أن نشير إلى إجابة بسيطة، وهي: أنه ناتج عن عدم الثقة بالله سبحانه وتعالى، وعن ضيق النظر، حيث إن الإنسان يكفر بقدرة الله وحكمته وعظمته.
وقد ورد في القرآن الكريم:
(ما عندكم ينفد وما عند الله باق).
كل شيء في متناول أيدي الناس ينفد، إلا ما عند الله باق. لكن الشخص الحسود يحسد هذه النعم، ويظن بأنها أبدية، ويتمنى زوالها، وكأن الله - نستجير به - لا يستطيع أن يمنحه نعمة ويُغنيه إلا إذا أزالها من شخصٍ آخر!
لذلك، لو شعرنا بأن هذه الصفة تدغدغنا بين الحين والآخر، يجب أن نتذكر أن:
النعمة المتاحة عند الآخرين إما بكدّ أياديهم وسعيهم، أو بتوفيق وعطاء من الله سبحانه وتعالى.
ففي كلا الحالين، هي نعمة من الله الحكيم الخبير.
ففي الحالة الأولى: "ليس للإنسان إلا ما سعى"، كما سعى غيرنا ووصل، وكما زرع وحصد، نستطيع أن نزرع ونحصد، ونسعى ونصل إلى ما نريد.
وفي الحالة الثانية: نُهيئ الأرضية لنيل بركات الله وتوفيقاته، فنحصل على امتيازات عظيمة وسريعة. وفي النهاية، يجب أن نعرف أن هذه الصفة ليست متوارثة ولا تنتقل عن طريق الجينات، لأنها لو كانت كذلك، لكان الإنسان عاجزاً عن التحكم بنفسه، حيث لا يد له في الأمر، وكأنه وُلِد وهو يحمل هذه الصفة دون إرادة منه!
لكنها صفة مكتسبة، تنقلها العائلة والبيئة، وتزرعها في داخل الإنسان وتنمّيها. لذا، تزداد مسؤوليتنا تجاه تربية أطفالنا، وإبعادهم عن الكفر، ونعلمهم أن سعادة غيرهم لا تنقص من سعادتهم، وأن نجاحهم لا يعتمد على خسارة الآخرين. ولا يمكنهم أن يُسقطوا الناس من درجات النجاح كي يصعدوا ويرتقوا.
وفي الختام، رحم الله أهلينا الذين علمونا أن نحب للآخرين ما نحب لأنفسنا، وأبعدونا عن الكفر والحسد بزرع القيم الحسنة في نفوسنا. ونختم الحديث بكلام مولانا الصادق (عليه السلام):
"أقلُّ الناس لذّةً الحسود." فلنرحم أنفسنا، ونعيش بسلام.
اضافةتعليق
التعليقات