"هنا اذاعة الفرقدين، بغداد"..
باقر: عزيزتي نرجس، اخفضي صوت المذياع رجاءً.
نرجس: حسنا، هل ترغب ببعض الخبز؟
باقر: يكون لطفا منك، سأَذهب لزيارة أمير المؤمنين بعد الإفطار، هل ترغبين في مرافقتي؟
نرجس: أتوق لذلك.
باقر: حسنا، احضري لي تحاليل الأمس لأعرضها على الأطباء في مستشفى النجف الأشرف.
نرجس: اتركها رجاءً، فلا جديد فيها! لا حاجة لنا بالمزيد من الخيبات.
باقر: لا ينبغي لنا أن نفقد الأمل فنحن سنكون في رحاب الطبيب الليلة.
نرجس: من تقصد؟.
باقر: طبيبنا علي (عليه السلام).
نرجس (والدمع يفر من عينيها): ونعم الطبيب، حسنا أكمل فطورك ريثما أكمل بعض الأعمال ثم ننطلق.
توجه باقر مع زوجته لزيارة الإمام علي (عليه السلام)، أمامهما مسافة ساعة ونصف ليصلا مرقد الحبيب الطبيب، نزل باقر وفي يديه التحاليل التي أجراها مع زوجته متوجهين إلى مرقد الإمام علي (عليه السلام)..
نرجس: حسنا، سأدخل إلى المرقد، أين التقيك؟
باقر: نلتقي عند باب القبلة إن شاء الله.
توجهت نرجس إلى مكان التفتيش ثم دخلت إلى حضرة الإمام علي فوجدت زوجها ينتظرها عند باب القبلة، أخرجت من حقيبتها قماشة خضراء، عقدت طرفها في يمينه وعقدت الطرف الآخر في يمينها ثم أخذ الاثنان اتجاه الضريح فوقفا عند الباب ..
باقر (يحمل تقاريره و عيناه مُحمرَّة): سيدي علي، قد جئتك بعلَّتي و لا أجد طبيبا لها سواك، سيدي إن لي قلبا متعطشا لطفل صغير وهذه زوجتي قد أصابها اليأس لما آل إليه أمرنا، فأدخل السرور على قلبينا بمولودٍ نُسميه حيدرة أو طفلة نُسميها فاطمُ.
نرجس (باكية): سيدي علي، يا أبتاه، إن القوم قد شمتوا بداءنا فاجعل لنا من لدنك سبيلا فقد ضاقت بنا السبل.
عندها جلس الاثنان أمام الباب المؤدي للضريح فتشبثا بالباب وراحا يُكثران من البكاء والمناجاة.
بعد ساعة ونصف من المناجاة، دخل باقر إلى الضريح ثم توجهت نرجس نحو بوابة النساء فعقدت القماشة الخضراء في بوابة الدخول ودخلت باكية.
أكمل الاثنان صلاتهما ومناجاتهما ثم رجعا إلى منزلهما في أطراف مدينة كربلاء.
في منتصف الليل، إستيقظت نرجس على صوتِ باقر متأَوهاً!
نرجس: باقر .. باقر ما بك؟
باقر: ها (مُتنبها).. لا شيء عزيزتي لا شيء!
نرجس: سمعتك تنادي ب (يا علي)، هل رأيت الإمام علي في رؤياك؟
باقر: لا أعرف، وجدت نفسي في ساحة مُكتظة بالناس فإذا بأحد المؤمنين قد أشار إلي فقال هذا هو، فجاءني شخص فقال لي (قل يا علي) فقلت، ثم ناولني وعاءً معدنيا فيه القليل من الماء و عليه آية من القرآن الكريم فشربت منه.
نرجس: هل تتذكر تلك الآية؟
باقر: نعم، ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اﻟﻠﻪّ وَرَسُولُه وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَة وَيؤُتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾
نرجس: لعلك كنت تفكر في زيارة اليوم.
باقر: ربما، حسنا سأقوم لأصلي صلاة الليل.
نرجس: أنا كذلك لعلها تكون ساعة فرج.
قام الاثنان ليقيما الليل و يصليا، أنهيا صلاتهما ثم جلسا سوية ليناجيا الله بما لآل البيت من منزلة و كرامة ليرزقهما الله بذرية تدخل السرور لقلبيهما.
في اليوم التالي، توجه باقر نحو مكان عمله و قلبه مُثقل بالهموم و الجراح فزملاءه لا ينفكون عن احراجه ..
سرمد: ماذا قال لك الطبيب ؟
باقر: لا شيء جديد.
سرمد: لا تحزن فلربما كان هذا قدرك و عليك ..
علي (مقاطعا): عزيزي باقر، هل لديك ما تفعله الليلة ؟
باقر: كلا، لأَي شيء ؟
علي: سنذهب جماعة لنشارك في تعليق شعارات الغدير في حرم الإمام علي (عليه السلام).
باقر: يسرني ذلك، متى ستنطلقون ؟
علي: بعد صلاة العشاء بإذن الله.
باقر: حسنا إذن سنلتقي بإذن الله بعد صلاة الجماعة، عذرا عليَّ الذهاب لقاعة الاختبار لأجل المراقبة إلى اللقاء.
عاد باقر من المدرسة إلى بيته ليجد زوجته تبكي كعادتها!
باقر: عزيزتي نرجس، علينا بالصبر فإن الله مع الصابرين، حسنا عزيزتي سأتناول الغداء ثم أنام قليلا لأتوجه بعدها إلى زيارة امير المؤمنين.
نرجس: هل أُرافقك ؟
باقر (مبتسما): لا مانع، جهزي الغداء لطفا.
وصل باقر مع زوجته حرم الإمام علي (عليه السلام) و أقام الاثنان صلاة المغرب جماعة ثم توجه باقر للمشاركة في تزيين جدران الصحن الشريف لمناسبة عيد الغدير.
كانت نرجس تراقب زوجها عن بُعد وتدعو له في داخلها، يختلجها الأَلم حين تتذكر بأَنها سبب تعاسته ! تحاور نفسها إن كانت تستطيع تركه ليتزوج بأخرى فينجب منها أم أنها لا تحتمل ذلك، إِمتحانٌ قد يصعب عليها ..
باقر: نرجس .. نرجس أراك شاردة البال، بماذا تفكرين ؟
نرجس: لماذا لا تتزوج بأخرى لعل الله يرزقك منها ..
باقر (مقاطعا): يكفي ! سأُجيبك بسؤال، هل تتذكرين اليوم الذي عُقد فيه قِراننا ؟
نرجس (مبتسمة و عيناها مُبتلة): بلى، أًتذكره.
باقر: سأُجدد لك ما قلته و أشهدت إمامنا عليا عليه، أَعدك بمحمدٍ وأخيه وابنته و بنيه أن نبقى سوية نتشارك حبهم فيما بيننا .. (ما إن أكمل كلماته حتى سقطت عليهما قطعة قماش حمراء خُطَّ عليها الآية ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اﻟﻠﻪّ وَرَسُولُه وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَة وَيؤُتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾
نرجس: هاها .. أنت محظوظ جدا، هنيئا لك .
عندها تقدم إليهما شيخ وقور فقال لهما: (تفضلا هذه الهدية ببركة عيد الغدير، مبارك لكما).
إبتسم باقر شاكرا للشيخ كرمه و عاد مع زوجته إلى البيت. كان الاثنان مسرورين على غير عادة، سكينة و إطمئنان قد إجتاحتهما فباتا ليلتهما و هما يلهجان بذكر علي و شجاعته و مروءته.
في الصباح التالي، إستيقظت نرجس لتقوم بإعداد الفطور لزوجها كعادتها.
باقر: لا أَظن بأنني سأَتأخر اليوم، فقد انهيت المنهج الدراسي البارحة.
نرجس: إذن سأَنتظرك لتأتي معي لجلسة اليوم فأنا لا أطيق الذهاب وحيدة.
باقر: اوه لقد نسيت، نعم سآتي معك.
إِبتسمت نرجس لكلمات زوجها ثم قامت لتؤدي بعض الأعمال .. ما هي إلا لحظات حتى عادت تهرول نحوه .. (باقر ، كيف لم ننتبه ! انظر إلى الآية).
باقر: ماذا تقصدين ؟
نرجس: نفس الآية التي رأيتها في رؤياك أليس كذلك ؟
باقر: أجل إنها هي، آية الولاية لعلي عليه السلام ، و لكن .. قد تكون صدفة !
نرجس: لا أظنها كذلك !
باقر: مممم، حسنا سأذهب الآن، سأُهاتفك إن أكملت أعمالي باكرا لتستعدي لنذهب إلى الطبيبة سوية.
بعد ساعتين و نصف، عاد باقر إلى المنزل ليجد زوجته مغشيا عليها ! هرع إليها يحركها لعلها تستفيق (نرجس .. نرجس ) حملها إلى المشفى، ما هي إلا لحظات حتى أتته البشرى، (زوجتك حامل!).
لم يصدق باقر ما قيل له في البداية لكنه إستبشر حين رأى زوجته تبكي فتقول: (لنُسميها غدير فقد تَفضلَّ الله بها علينا ببركة غدير خم).
اضافةتعليق
التعليقات