إن محور حياة الإمام جعفر الصادق (عليه الصلاة والسلام) كان العلم والتعليم وبناء عقل الانسان بما هو مطلوب منه في زمن كان فيه شعاع العلم ينشر في سماء المدينة حيث تمكن في فترة معينة من تأسيس جامعات علمية كبيرة، ونشر العلوم التي يحتاجها البشر ولا فرق بين أبيض أو أسود بين عبد ومولاه .
وثقف المسلمين علمياً وطور الأمة الإسلامية في مختلف العلوم. حيث روي عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر: إن المنصور قد كان همَّ بقتل أبي عبد الله (عليه السلام) غير مرة، فكان إذا بعث إليه ودعاه ليقتله، فإذا نظر إليه هابه ولم يقتله. غير أنه منع الناس عنه (عليه السلام)، ومنعه (عليه السلام) من القعود للناس، واستقصى عليه أشد الاستقصاء، حتى أنه كان يقع لأحدهم مسألة في دينه في نكاح، أو طلاق، أو غير ذلك، فلا يكون علم ذلك عندهم، ولا يصلون إليه، فيعتزل الرجل وأهله. فشق ذلك على شيعته وصعب عليهم، حتى ألقى الله عزوجل في روع المنصور، أن يسأل الصادق (عليه السلام) ليتحفه بشيء من عنده، لا يكون لأحد مثله، فبعث إليه بمخصرة كانت للنبي (صلى الله عليه وآله) طولها ذراع، ففرح بها فرحاً شديداً، وأمر أن تشق له أربعة أرباع، وقسمها في أربعة مواضع، ثم قال له: ما جزاؤك عندي، إلا أن أطلق لك، وتفشي علمك لشيعتك، ولا أتعرض لك ولا لهم، فاقعد غير محتشم، وأفت الناس، ولا تكن في بلد أنا فيه، ففشى العلم عن الصادق (عليه السلام).
كما نعرف أن الدين الاسلامي هو دين علم ومعرفة على اختلاف الأزمنة والمبلغين من أسباب ازدهار الأمة هو علمها وفي المقابل من أهم أسباب الاستبداد والدكتاتورية في الأمة الجهل.
الجهل بفقه الحياة، الجهل بأن الاستبداد يضر حتى الدكتاتور، الجهل بمحكمة التاريخ.
والمتصور أن من أهم أسباب تخلف وتأخر المسلمين في زماننا هذا ناشئ من جهلهم، وقد استغل الحكام الظلمة هذا الجهل وسيطروا عليهم، وقاموا بتأخير الأمة، واضطهادها أكثر فأكثر.
فكانت الرسالة واضحة لكن هناك من غير محورها وضل طريقها ونحن نعيش في حقبة من الزمن المعرفي المتطور الذي بات كل شيء يتحكم يدويا أو عن طريق البعد، (تكنلوجيا) إلا أن هناك فراغات في العلم والتعليم فمنذ متى أصبح الحرم الجامعي سلعة للعرض التجاري ومنذ متى نقيم الحفلات وما يحصل فيها من المنكر والأزياء والحركات المحرمة تحت عنوان
(حفلات التخرج) متى كان العلم ومراحل الدراسة والتعليم تختم بهذه الطريقة؟
ربما يتعجب الكثير، من أنه كيف لا تتمكن الأمة الإسلامية من الوقوف على هذه الظاهرة ومحاسبة المسؤولين فهناك أماكن مقدسة، أكثر من مليار وخمسمائة مليون نسمة مسلمة، لم تتمكن من مواجهة الفكر الاسرائيلي وإن استطاعوا مواجهتهم جسديا لكن تبقى الحرب فكريا فهم عجزوا أن يقفوا أمام إسرائيل ذات الثلاثة ملايين فقط، وأصبحت الدول الإسلامية أمام الصهيونية لا حول لها ولا قوة فكريا، مع أن المسلمين يمتلكون من الثروات آلاف المليارات، وارتباطهم ومصالحهم مع دول الغرب والشرق أكثر بكثير من اليهود.
من أهم أسباب ذلك: أن اليهود تحكمهم الديمقراطية، والحرية السياسية، ولو بنسبة كبيرة، وكلهم شركاء في الحكم. أما الأمة الإسلامية، فتخضع لأبشع أنواع الاستبداد وزمرة قليلة لا يتجاوزون في كل البلاد ربع مليون، إذ لو فرضنا أن الدول الإسلامية خمسون دولة، وفي كل دولة خمسة آلاف هم الذين يديرون الحكم، وهذا العدد مبالغ فيه كثيراً بلا شك، فالمجموع يكون ربع مليون، وهذا رقم يعتبر أقل من عُشر ثلاثة ملايين . ومن الواضح أن ربع مليون لا يقاوم ثلاثة ملايين.
أما سائر المسلمين، فهم المستضعفون في دولهم، لا حول لهم ولا قوة، وكلهم كالعبيد والأسرى في أغلال قوانين .
ومن أهم العلل المحدثة والمبقية للاستبداد: جهل الأمم، والمقصود هو الجهل بفقه الحياة وسبل العيش الكريم، وإن كان فيهم الكثير من الدكاترة والمهندسين والمحامين وخريجو الجامعات وما أشبه.
ومشكلة الفكر اليهودي سيبقى ما دامت هذه المشكلة في بلادنا، أي ما دامت العقول المتطورة تقف صامتة فلا حل للقضية .
حكومات تدعي الإسلام كذباً
ثم لا يخفى أن هذا التأخر في بلادنا لا ربط له بالدين أساساً، فإن الإسلام بريء من عمل من يدعي العلم وهو يمارس القبح والرذيلة، ولا إجحاف ولا منكر في الاسلام أما بلادنا فهي غارقة بكل تأخر، وبعيدة عن أي تقدم، فالدين يعني فقه الحياة، والتقدم والتطور، والغنى والثروة، والأمن والأمان، والسلم والسلام.
وليس الدين مجرد عبادات شكلية، أو عقائد مخترعة كما نراها عندهم، فهم وإن ادعوا الإسلام، فمجرد الاسم من دون الواقع، لا يحقق شيئاً، بل يضر أكثر مما ينفع.
ومن الواضح أن اسم العسل لا يوجب حلاوة الفم، واسم الماء لا يرفع العطش، وإنما لابد من العسل الحقيقي والماء الواقعي.
ابتعاد الناس عن الدين
ومن المشاكل في عصرنا هذا، ابتعاد الناس عن الدين، ومن أسباب ذلك:
1: ما قام به الحكام منذ أكثر من ألف سنة في البلاد الإسلامية، من: الظلم والجور، والاستبداد، والقتل والتعذيب، ومصادرة الأموال، وهتك الأعراض، وسلب حقوق الناس، وكانوا يدعون الإسلام، ويزعمون أنهم خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وهذا من أهم أسباب فرار الناس في مختلف بلاد العالم عن الدين، حيث زعموا أن هؤلاء الحكام يمثلون الدين.
2: ما قام به الغرب من التخطيط الدقيق لإبعاد الناس، والأمة الإسلامية عن الدين الواقعي؛ ليتمكنوا من السيطرة على البلاد، واستعمارها، ونهب ثرواتها.
وسعوا بأن يحصروا الدين والمتدينين في وظائف ثانوية هامشية، بعيدة عن أسس الحياة، والأخذ بأزمة الأمور وقيادتها.
كان الإمام الصادق (عليه السلام) يحث على رعاية الحقوق، حق الله، وحق الناس، وحق الإنسان على نفسه، وسائر الحقوق، الواجبة والمستحبة.
عن إسحاق بن عمار، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فنظر إلي بوجه قاطب. فقلت: ما الذي غيرك لي؟. قال (عليه السلام): (الذي غيرك لإخوانك. بلغني ـ يا إسحاق ـ أنك أقعدت ببابك بواباً يرد عنك فقراء الشيعة فقلت: جعلت فداك، إني خفت الشهرة. فقال (عليه السلام): (أفلا خفت البلية. أ وما علمت أن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا، أنزل الله عز وجل الرحمة عليهما، فكانت تسعة وتسعين لأشدهما حباً لصاحبه، فإذا توافقا غمرتهما الرحمة، فإذا قعدا يتحدثان، قالت الحفظة بعضها لبعض: اعتزلوا بنا فلعل لهما سراً، وقد ستر الله عليهما. فقلت: أ ليس الله عز وجل يقول: [مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ]؟(. فقال (عليه السلام): (يا إسحاق، إن كانت الحفظة لا تسمع، فإن عالم السر يسمع ويرى).
اضافةتعليق
التعليقات