لقد شجع الاهتمام بتطوير الجانب الشعوري والعاطفي عند الإنسان على ظهور الكثير من النقاشات والأبحاث حول الإبداع والتعبير الذاتي، وذلك في فترة الستينات والسبعينات من هذا القرن.
وارتبط هذا الاهتمام بتغيرات حدثت في مجالات أخرى بعيدة عن التعليم، إذ ظهرت في الستينات ردات فعل ثقافية وبشكل عام تعارض العقلانية، وهذا لم يكن ظاهرا في مجال التعليم فقط، وإنما في التغيرات الأخرى التي حصلت فيما دعي آنذاك بنية الإحساس.
وقد ظهرت حركة تنمية شخصية personal growth في الولايات المتحدة في الاربعينيات، إلاّ إنها انتشرت بشكل واسع في أمريكا ثم أوربا في فترة الستينات وقد عمدت هذه الحركة إلى تشكيل مجموعات مختلفة يقوم أفرادها بطرح مشاكلهم أو تجاربهم الخاصة أمام باقي أفراد المجموعة لمناقشتها ومعالجتها بشكل جماعي.
وكان الهدف من ذلك اكتشاف طبيعة العلاقات الموجودة بين الناس وزيادة معرفة الشخص بذاته ولغيره، وقد نتج عن هذا التكنيك نظريات وتحليلات نفسية عديدة.
عندما يشعر الشخص بأنه يحتاج إلى تنمية شخصية فهذا يعني أنه عاطفيا أو حسيا أو جسمانيا أقل عفوية من غيره، أو مما يريد هو أن يكون، فقد يشعر بالوحدة، ومع ذلك فهو غير قادر على إقامة علاقات مع غيره.
وفي هذه المواجهات الجماعية يجري التدرب على اخراج كل شخص ما في داخله من مشاعر وانفعالات مهما كانت، وعلى أن يكون الإنسان صادقا في أحاسيسه وألا يشعر بالحرج من التحدث بعفوية عن كل ما يجول في خاطره من أفكار.
يجب أن ندرك أن الأسباب التي دفعت العديد من الأفراد لحضور مثل هذه الجلسات لم تكن دائما واحدة، إلاّ أن التغيرات الاجتماعية العامة كانت تشكل جزءا كبيرا من هذه الأسباب.
وقد رأى البعض أن لجوء الكثيرين إلى مثل هذه المواجهات الجماعية كان نتيجة الرخاء المادي الحاصل وقتها، والذي كان يثير الفضول للاطلاع على ما يجري في هذه الجلسات من قبيل التسلية.
أما السير هيربرت ريد فينظر إلى الأمر على أنه ردة فعل تجاه الآثار السلبية التي جلبتها الثورة الصناعية للمجتمع، والتي جردته من الإنسانية.
فالإنسان عندما لا يستهلك ما يصنعه ويرى أمامه آفاقا اخذة في الاتساع والانفتاح على الأوساط الجديدة، وعندما لا تكون جذوره في المجتمع الذي يعيش فيه قوية وثابتة بسبب التغيرات الكبيرة في بنية هذا المجتمع، هذا الإنسان يكون معرضا أكثر بكثير من أبناء الجيل الذي سبقه إلى الشعور بضياع الهوية والتميز الشخصي.
ويرى البعض الآخر من الفلاسفة أمثال carl rogers أن حركة النمو الشخصي قد ظهرت نتيجة لرفض المعتقدات الدينية ومحاولة البحث عن معنى للوجود والحياة كمحاولة لملء ما سماه الفيلسوف victor franki بالفراغ الوجودي الذي يعني الشعور بالانعدام التام لمعنى وجود الشخص، الذي يجعل لهذه الحياة قيمة تستحق عناء الوجود، والنتيجة هي إحساس كبير بالفراغ الداخلي، هذا الإحساس الذي يعتبر من أهم التحديات للطب النفسي.
حيث قال carl jang (لقد عالجت أناسا كثيرين جاؤوا من مختلف البلدان المتقدمة على مدى الثلاثين سنة الماضية، وكانت المشكلة العامة لجميع المرضى الذين هم في النصف الثاني من أعمارهم -أي فوق الـ٣٥ سنة- بلا استثناء هي فقدان الشعور الذي يملكه من يعتنق إحدى الديانات. ولم يشف منهم إلا الذين استرجعوا هذا الشعور وهذا الايمان الديني الذي كان مفقودا لديهم).
اضافةتعليق
التعليقات