فلسفة أمير البيان في المال تجتمع في كلمتين هما: (ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع). (إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء فما جاع فقير إلا بما متع به غني).
فلسفة واقعية ليست مثالية كما قد يتبادر إلى ذهن البعض، والمستوى الاقتصادي المتباين والطبقي بين الناس يمكن تلافيه إذا طبقت سياسة عادلة أساسها انصاف الناس من أنفسهم ومداراة ذوي الحاجة منهم.. واتباع المداراة تستتبع الإنفاق المتوازن للمال دون الإسراف وبذلك يمكن الوصول للتوازن المطلوب وردم الهوة بين الطبقات.
ليس مطلوب منا أن نحلم بمدينة فاضلة، فهو حلم وردي وليس من حقنا أن نغفو على أحلام وردية لا تغني ولا تسمن من جوع.. كما أنها لا وجود لها في عالمنا المعاصر، نعم يحق لنا أن نغفو على حلم مجتمعٍ أمثل تتلاشى فيه الطبقات وتتهاوى فيه الفروقات، أي أن نكون واقعيين فقط .
الواقعية تعني أن نشّخص الخلل في واقعنا المعاش مع وضع الاصبع على الجرح تماما، ثم تبنّي سياسة متوازنة قابلة للتطبيق.. وبغير هذا السبيل نكون كمن يعالج الجرح بجرح مماثل.
نحن اليوم بأمس الحاجة إلى حكومة كحكومة علي في الرعية، تتساوى فيها موازين العدالة
فما أجمل ريح العدل حين تهب نسماته في أرجاء المعمورة؟ وما احلى نفحاته حين تتساوى في الناس الكرامات.. فلا فقير هناك ولا معوز، ولا من ينام ليله وهو يطوي ساعاته جوعا وكمدا وحسرات.
لقد صدق من قال: (لو مُنح أمير المؤمنين عليه السلام الفرصة لبنى عالماً زاهراً مادّيّاً ومعنويّاً ملؤه العدل والإستقرار والسلام الحقيقي، لم يسبق للبشريّة أن رأت مثله).
ولكن كيف؟! وقد جوبه بالرفض والتعنت والممانعة من ذوي النفوس المريضة.. تلك النفوس التي جبلت على النفاق، والتي لا تقنع بالقليل بل كل همها الاستئثار ولو كان على حساب الفقراء والمحتاجين.. وما أكثر هؤلاء وأشباههم في زمننا المعاصر.
إن الاستئثار والتعدي على المال العام والنهب والسرقة الممنهجة والتي أبتليت بها حكوماتنا المتعاقبة أوجدت شرخا هائلا بين الطبقة السياسية الحاكمة وبين الرعية، فهم في واد والشعب المسكين في واد آخر يبحث عمن يحقق له أدنى درجات العيش الكريم.
إننا نفتقد ليس فقط لعدل علي فينا، بل نفتقد لكل ما يمت لعلي بصلة.. ولو أردنا الانصاف حقا لرفعنا في كل بيت عَلَما علويا، يذّكرنا بسيرة علي وعدل علي.
فما أشد اشتياقنا إليك يا أبا الحسن؟ وما أشد غربتنا عن نهجك، وجهلنا لمدار الحق الذي لازمته طيلة حياتك حتى النفس الأخير.
اضافةتعليق
التعليقات