كنتُ في زيارةٍ إلى عائلتي في احدى المدن الايرانية وكانت امي عادةً تشتري خبز التنور من امرأة تسكن في الجهة المقابلة من الشارع، وهذه المرأة على ما نقول في العامية "على قد حالها"، وكانت هي التي تكد وتعمل، لأن زوجها كان يعمل في البناء، وفي أحد الأيام سقط من مكان مرتفع وكُسرَ ظهرهُ، ونتيجة ذلك أصبح يعاني من اعاقة دائمة تمنعه من العمل، وكان لديِهِ اطفال صغار فاحتار ماذا سيفعل في هذا الزمن الذي لا يرحم وكيف سيستطيع أن يكمل الطريق في حياته؟.
بعدما يئست زوجته من شفائه اقترحت عليه أن تشتري معدات الخبز، فتخبز في بيتها وتبيع على جاراتها. وفعلا بدأت بالخبز وصار الكل يتردد عليها ويحب أن يأكل من خبزها. وفي أحد الأيام كانت امي جالسة عندها تنتظر دورها لشراء الخبز؛ فأتت امرأة كبيرة في السن اقتربت من الخبازة وهمست في اُذنها وأخذت خبزها وذهبت.
بعدما خرجت المرأة، ذهبت امي وسألتها ماذا كانت تريد تلك المرأة؟ لأنها كانت تعرفها وتعرف حالتها المادية، فأجابت: تريد مني حبة باذنجان أو طماطم حتى تفطر عليها. فعندما سمعت والدتي ذلك تألمت وحزنت. بعد ذلك، حين رجعت بدا على وجهها آثار الحزن والغم، وسألوها عن سبب حزنها.
فسردت لي ما رأت وانا بدوري اعتصر قلبي ودمعت عيني وقلت: "ياربي هذهِ المرأة العجوز تصوم في غير رمضان وليس لديها ما تفطرُ بهِ!."
وأنا إلى يومنا هذا كلما ذكر أحدهم الصوم أو رمضان تذكرت تلك المسكينة.
اننا في شهر رمضان الكريم، فالعبرة من هذه القصة ان يتعاطف الناس مع المساكين في هذا الشهر الكريم. فأتمنى من كل الأمهات التي هنّ مسؤولات عن مصروف البيت وعن الطبخ في هذا شهر ان لا يسرفن ويبذرن في إعداد الفطور؛ و أن يكون الفطور مختصرا ومفيدا للصائمين.
فسيوفرون مبلغا من المال، ويتبرعونَ بهِ الى اللجان الخيرية التي تتكفل بإفطار الصائمين من الفقراء والمحتاجين. إن شهر رمضان شهر الصيام والعبادة وغسل الذنوب التي تراكمت طوال السنة، وليس شهر أكل وشرب لحد التخمة، فإذا امتلأت بطوننا كيف نشعر بما يشعر الفقراء؟.
اضافةتعليق
التعليقات