لا زالت آلة التصفيات تعمل عملها في أبناء هذا الشعب المقهور.. هل كُتب أن يعشعش القهر في دكاكينك ياوطن؟
أن تقول كلمة حق فذلك خير على خير.. وإن كنت تقولها بوجه ظالم فذلك جهاد ما بعده جهاد.. لكننا لا زلنا حتى هذه اللحظة نحاول أن نرمم جراحاتنا بتعزية هنا وتغريدة مؤيدة هناك دون أن نرفع من سقف مطالبنا الحقة.
أين تكمن المشكلة؟
هل أصبحت دماء شباب العراق رخيصة إلى هذا الحد؟ أليس في القوم رجل رشيد يقتص من الظالم والطاغي والمعتدي؟
ولماذا لا زلنا ندور في حلقات مفرغة ننعى حظنا العاثر بحكومات لا تعبأ لأبنائها، ولا تحرك ساكنا لإنصافهم، ولا تضيق الخناق على زارعي الموت في حقول الحياة؟
شباب طموح كل همه أن يعيش الحياة، ويبني مستقبله ليورث أبناءه حياة عز وسؤدد، تُغتال أحلامه برصاصات كاتمة دون أن يرفّ جفن أحد.. فإلى متى يعربد الموت فينا ناشرا عباءته السوداء، وإلى متى نهدي الضحايا تلو الضحايا ألم ترتوِ الأرض بعد من دمائهم الزكية؟ وهل كُتب على شبابنا أن يأخذوا القهر جلبابا لهم يصاحبهم حتى الممات؟!
البارحة إيهاب وقبله قافلة من شباب المستقبل كان بالإمكان أن يجد كل واحد منهم متسعا له في هذا الوطن الكبير.. لكن ضاقت عليهم الطرقات بما رحبت فأصبحوا اليوم رهائن أطباق الثرى.
القهر بذرة قد تنمو معك وأنت لا زلت في بطن امك.. فكثير من أمهات العراق مقهورات حتى النخاع!
القهر سيف يحز في رقاب العباد، فيقطّع بأوداجهم وهم لا يزالون على قيد الحياة.
والقهر قمة الإحساس بالظليمة قد يصاحبك طفلا ويافعا وشابا قويا لكنك تعاني الانكسار الداخلي لأنك لم تجد من يفتح لك الطريق بل وقد يمعن بوضع الحواجز الكونكريتية أمامك ليحول دون تقدمك.. إنه إحساس مدمِّر بالفعل.
أين حكامنا من أمراء العدل والإنصاف؟ لمَ يغلقون مسامعهم لصيحة مظلوم هنا وآهات مقهور هناك؟
فهذا أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام يقول: ((والله لإن أبيت على حسك السعدان مسّهدا أو أُجرّ في الأغلال مصفّدا، أحبّ إليّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشيء من الحطام وكيف أظلم أحداً لنفس يُسرع إلى البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها)).
تقول الأديبة المصرية آيات عبد المنعم:
(ولا تسألني ماذا يحدثُ للوطن حينَ يزورهُ القهر وقتما تنقرضُ البراكين، وتجفُّ الأنهار كيفَ يُعبّرُ عن غضبه وحزنه، هل يظهرُ على مرآةِ شوارعه البثور، كلُّ ما أعرفهُ أنّي عند الصَّباح أعانقُ قطر النَّدى المُترشّح علىٰ نوافذ الشُّرفات والحافلات وأوراق الأشجار، أُقبّلهُ ولا أسأل عن تلك القطرة ذُرفت من إنسان أو وطن).
أخيرا أقول للقهر: كفاك قهرا فقد أناخ علينا البؤس بكلكله، وملأ صدورنا غيظا وحزنا، بسببك فقط وصمنا العالم وأسمانا بالشعب المقهور.. أما آن لك أن تلفظ أنفاسك وتتركنا نتنفس كرامة وعزة وشموخا؟.
اضافةتعليق
التعليقات