انطلاقاً من مقولة البرت آينشتاين الشهيرة (الخيال أهم من المعرفة فالمعرفة محدودة بما نعرفه الآن وما نفهمه.. بينما الخيال يحتوي العالم كله وكل ما سيتم معرفته أو فهمه إلى الأبد).
المنهجية التدريسية التي يتم اتباعها في العراق تبتعد كل البعد عن هذه المقولة وذلك لأن أغلب التدريسيين في الوقت الحالي يتبعون منهج نقل المعلومات لذاكرة الطالب ومن ثم يتم نقلها من الذاكرة إلى ورقة الامتحان، وكما نعلم أن الذاكرة هي جزء بسيط من الدماغ.
فهنا يستوقفنا سؤال مهم وجوهري في العملية التعليمية وهو:
هل قام الطالب بتسخير كل أجزاء الدماغ أم استخدم فقط الذاكرة؟
حتماً وكما يقوله واقع التعليم استخدم الذاكرة لا غير فالحفظ والتلقين أصبحا طوق نجاة لنجاح الطالب دون أهمية كونه فهم أم لا، وذلك مع الأسف يشمل جميع المواد حتى العلمية وهنا تكمن المشكلة أن العقول التي يتم تخريجها من المدارس وحتى الجامعات بمختلف التخصصات هي تقوم بحصر عقل الطالب وتفكيره بعدد صفحات يقدمها التدريسي دون اللجوء للتفكير وتشغيل المخيلة وتوسيعها أو حتى إعطاء فرصة للأخذ بآراء بعض الطلبة المتميزين.
ولهذه الأسباب نحن حالياً نفتقد للطلبة الذين يقومون بالتفكير خارج الصندوق، وهذه الفئة هي أهم الفئات التي تطور المجتمع وتعمل على تقدمه.
فهي التي تقدم الاختراعات العلمية وتبتكر طرق جديدة لحل المشاكل والمعرقلات التي قد تواجهها مجتمعات كاملة.
استذكرت إحدى القصص التي قرأتها مؤخراً تبين لنا أهمية الخيال والتفكير خارج الصندوق بشكل طريف ولافت للفكر .
في إحدى ولايات أمريكا، في واحدة من بنايات ناطحات السحاب كان سكانها يقدمون شكاوي مستمرة بسبب قلة المصاعد الكافية في بناية ضخمة جداً.
والحل البديهي لهذه المشكلة والتي تخطر على قارئ القصة وسامعها هو بناء مصاعد إضافية ولابد للاستعانة بمهندسين معماريين وقام هؤلاء بمراجعة خرائط البناية ومحاولة إيجاد مكان مناسب لبناء المصاعد. لكن أحد طلبة كلية الهندسة قسم العمارة اقترح اقتراحاً غريباً جداً وهنا تظهر أهمية التفكير خارج الصندوق..
اقترح أن يضعوا مرايا في ممرات البناية وقرب المصاعد في كل طابق لتأخير سكان البناية لدقائق معدودة عن استخدام المصاعد.
وبالفعل تم تطبيق هذا الاقتراح تجريبياً وقد انخفضت نسبة الشكاوي بنسبة أكثر من (70% ) وتم حل المشكلة التي كانت ستتطلب بناء وهدم وجهود مادية وبشرية بقطع من المرايا فقط.
فكثير من مشاكل الحياة العلمية، الدراسية والعملية تُحل فقط لو استطعنا تشغيل مخيلتنا والتفكير خارج حدود المألوف ورؤية المشكلة بزوايا مختلفة.
فكل المواد الحفظية والعلمية على حدِ سواء لجميع المراحل الدراسية قابلة للتطوير بأسلوب تقديمها للطلبة من قبل التدريسيين ذاتهم وذلك عن طريق طرح مشكلة والبحث عن حلولها باستثمار مخيلة الطالب والعمل على تطويرها ليتم الاستفادة منها ضمن الاطار العلمي للمادة وهذه أفضل الوسائل لجذب انتباه الطالب والمحافظة على تركيزه طيلة وقت الدرس.
كما أن استخدام أسلوب الصور الذهنية لتقريب المشكلة العلمية وايصالها لدماغ الطالب حينها ستعمل مخيلته بدورها على تشكيل صورة ذهنية متكاملة من حيث الشكل واستخدام الألوان وحتى الأبعاد.
ولابد أن نبدأ بتنمية مخيلة الفرد منذ الصغر في المراحل الابتدائية فكما تؤكد الأبحاث العلمية الحديثة أن تقديم الخيال العلمي للطفل يساعد على وضع اللبنات الأولى للتفكير العلمي والعملي لديه، وفي بحث أجري في "لندن" على مجموعة من الأطفال، انتهى الباحثون منه إلى أن:
مؤلفات وقصص الخيال تنمي الثقافة العلمية للطفل، وتوسع مداركه وخياله، وتدعم سلوك حل المشكلات عنده، مشيرين إلى أهمية دور مرحلة الطفولة في تكوين 80 في المائة من شخصية الإنسان، وإلى ضرورة تقديم الخيال العلمي المدعم بالقيم للأطفال يفيدهم كثيراً في نضج شخصياتهم.
والتركيز على عدم وضع حد لإبداع الطفل، لأن الإبداع يبدأ بتوظيف شيء في غير وظيفته. *1
إن أولى خطوات بناء مخيلة مثمرة عند الطلبة خصوصاً هو التأمل فهو عملية بسيطة لتدريب العقل على التركيز وإعادة توجيه الأفكار*2 .
فهو يتيح للعقل فرصة للاسترخاء ويساعد على استحصال اليقظة الذهنية ويطيل مدة الانتباه التي تتيح فرص أكبر لتلقي المعلومات وإنتاج الأفكار يقلل من المشكلة التي يعاني منها الطلاب وغيرهم على حد سواء وهو فقدان الذاكرة فإن التحسينات في التنبه وصفاء التفكير قد تساعد العقل على أن يظل شاباً .*3
(لا يوجد سبب أهم من تطور الحياة من الأحلام المشفوعة بالسعي لتحقيقها فمن يصنع التاريخ هو صاحب الخيال الرفيع، المشدود إلى الأرض بجبال النشاط الواسع) هادي المدرسي *4.
أخيراً يمكننا القول بأن التأمل هو مهد لمخيلة الانسان والمخيلة منجم للأفكار وعندما قال آينشتاين إن الخيال أهم من المعرفة كان يدرك أن للخيال فضلا على العلم أكثر مما للعلم عليه.
اضافةتعليق
التعليقات