في كتاب الله تعالى نجد تصنيفا ثلاثيا للناس، مع إن في هذه الحياة هناك جبهتان جبهة حق وأخرى باطلة، والناس عادة صنفان وفقًا للجبهة التي يقف معها أو يتبعها، إن كان مع الحق فاز ونجى، وإن كان مع الباطل خسر وهلك.
فهو عادةً ما يركز فيها إما على جبهة الحق وإما يركز فيها على جبهة الباطل، بمعنى أن هناك قيادة يتبعها صنف من الناس ولا يتبعها صنف آخر، فمن يتبع قيادة الحق الكامل تأخذه للتكامل حيث الفلاح في الدارين، ومن يتبع قيادة الباطل تأخذه إلى التسافل حيث الشقاء.
فنحن أمام اختبار حساس جدًا به يُحدد مصيرنا، فلو تتبعنا سور كتاب الله تعالى لوجدنا أنها لا تكاد تخلو غالبًا من ذكر هذه الثلاثية سواء بالتركيز على جبهة الحق وأتباعه أو جبهة الباطل وأتباعه ولكن بعناوين مختلفة وتصنيفات متنوعة. ففي فاتحة الكتاب ذكر هذا التصنيف وذلك بقوله تعالى: {صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، إذ نجد أن الآية ذكرت ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: المُنعَم عليهم، وهم قيادة الحق، قال تعالى: {وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً} [النساء:٦٩]، ولعل تسمية هذا الصنف بهذه المفردة فيها إشارة إلى إنهم يبقون خلق من خلق الله تعالى، وبشر تم اختيارهم ليكونوا ممن أنعم الله تعالى عليهم ليكونوا خلفائه ورسله المصطفون لهذه المهمة وهي أن يكونوا التجسيد العملي لصراط الله المستقيم الذي من اتبعه وسار عليه نجا وأفلح، فلا يتوهمن أحد أن كمالهم موجب لجعلهم أندادًا للحق سبحانه كما وقع بذلك بعضهم.
الصنف الثاني: المغضوب عليهم، وهم -كما يبدو- قيادة الباطل كونهم قد تحقق فيهم الغضب الإلهي، فكما قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ}[الممتحنة:١٣]، إشارة لعدم تولي هؤلاء وعادة النهي عن الاتباع يكون لقيادات الباطل لكون خطورتهم أكبر، والرجوع عن اتباعهم أصعب، كما في قوله تعالى: {ولاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وأَضَلُّوا كَثِيرًا وضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}[ المائدة: ٧٧].
الصنف الثالث: الضالين، هنا في هذا التصنيف هم أتباع المغضوب عليهم، فالضال تابع للمضل، ولعل أتى تعبير الآية لصنف قيادة الباطل هنا بالمغضوب عليهم، كتعبير عن جزائهم كقيادات ضالة ومضلة، وإذا أتى النهي عاماً كما في قوله تعالى: {لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ... ومَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}[الممتحنة:١]، لكن من لم ينتهي دخل في صنف الضالين. أما من ينتهي فهو يدخل في ولاية الله وولاية أهل الحق من قيادة الهدى وهم المنعم عليهم وفقا لتصنيف هذه السورة.
بالنتيجة نجد إن سورة الفاتحة في ذكر هذا التصنيف الثلاثي ركزت على سلم التسافل الذي يتسافل به صنف من الناس فهي ركزت على قيادة الباطل المضلين وأتباعهم الضالين، ولعل في ذلك اشارة لحقيقة كثيرًا ما يركز عليها كتاب الله ألا وهي قلة أتباع الحق، وقلة قيادات الحق، وهذا مناسب جدًا مع مضامين السورة التي من أسمائها الحمد، فمن يُستجاب دعائه بأن يكون من المهتدين إلى صراط الذين أنعِم عليهم يكون أكثر الخلق حمدًا لما ناله من نعمة لا ينالها إلا ذو حظ عظيم، ويكون أكثر شكرًا بأن يحرص أن يزداد قربًا واقترابًا وانتفاعًا من هذه النعمة.
———
اضافةتعليق
التعليقات