على كوكبنا الارض عظمت الكوارث وتوالت، وكثرت الفواجع وأناخت في النفوس بالِغ الذعر والألم، وصار البشر في حالة اضطراب غير منقطع من الحروب بالأسلحة الفتاكة والاقتتال بأنواعه، إلى أمراض وأوبئة تخطت تلك القوة وأصبحت الداهية الكبرى في حصد الأرواح بكل سهولة وبأعداد هائلة دون ملاقاة ما يقف في وجهها إلا بعد حين، وربما مؤخرًا لن نجد رادع لها حسب ما نعيشه الآن أمام فايروس كورونا الذي جعل الأرض أشبه بسجن خوفًا من ملاقته.
في السنوات المنصرمة، كان يتوقع العلماء نهاية الحياة على الأرض عاجلًا أم آجلًا ويطمحون في العثور على كواكب بديلة للعيش فيها، كالمريخ. ويطمح الأمريكان لتنظيم أول رحلة لاستكشاف كوكب جديد يشبه الأرض بحلول عام 2035، لكن المشروع تشوبه الكثير من الصعاب.
من المؤسف حقًا أن البشر يفكرون ويُحضرون ويبحثون عن كيفية النجاة من كوكب الأرض في حال ساءت أحواله، بدل التفكير والتحضير لنجاته والنجاة به من الأساس، هذا الكوكب الذي يأويهم وأبنائهم وآوى آبائهم وأجدادهم منذ بدء الخليقة، عثوا فيه فسادًا وبعثروا تربته كيفما شاءوا، وشوهوا معالم سمائِه ومائه وهوائه وجعلوه يختنق بهم، وهم يتصورون بأنهم صاروا يختنقون فيه!.
جُل مايحدث من أخطار على سطح هذا الكوكب سببه البشر وما راحوا يسعون للتطور فيه من صناعات مدمرة استدرجتهم نحو هلاكه وهلاكهم، فهناك مجاميع معينة من البشر اليوم أصبحوا يتسارعون ويتنافسون للفوز بالصفقات المربحة التي من شأنها جعلهم أسياد الأرض حتى لو كلفتهم انحدار مستواهم الانساني والأخلاقي أو انعدامه بالمرة، ما شَرَع لديهم الجريمة بحق بني جنسهم وبحق الأرض التي يحيّون عليها وفقًا لغاياتهم، وقاموا على فعل كل خَطِر وسيء مما لا يرتضيه الخالق ولا يستطيع عليه المخلوق، جعلتهم أكثر شراسة وقساوة نابعة من الجشع والطمع الذي صار لا حدود له عندهم.
الكثير من البشر الصالحين نبهوا على هذا الأمر وتكهنوا بالخطر القادم، لكن الطالحين أكثر منهم عددًا وقوة بمساندة الأشرار والطامعين، حولوا هذه الأرض إلى غابة يأكل فيها القوي الضعيف، ولم ولن يكفوا عن صناعة الخطر وبثه، ولا ننكر أن هناك تقصير واضح في مواجهتهم ومحاولة ردعهم على مر العصور، فكانت الآثار بليغة متمثلة بما آل إليه حاضرنا من الرعب والترقب الجامح وكذلك مستقبلنا الذي بات على المحك.
ويا للمفارقة! فيروس صغير استطاع أن يمنح كوكبنا السلام والراحة ليستعيد أنفاسه ويرمم الخراب لفترة غير معلومة في غالبية البقاع، وبحسب تقرير نشرته شبكة "سي ان ان" الأمريكية، فإن إغلاق المصانع وخلو الشوارع في بعض البلدان بسبب كورونا جعل من كوكب الأرض "المستفيد الأول". وقالت إن حالة الإغلاق العام الذي شهدته العديد من المدن والدول حول العالم إثر تفشي كورونا جعلنا نرى سماء صافية.
كذلك الصين، التي تعد بؤرة انتشار كورونا، والتي يعرف عن بعض مدنها بأنها من أكثر المدن تلوثًا في العالم، أعلنت أن معدل الأيام التي كان في الهواء نظيفًا زاد بنسبة 21.5% في فبراير / شباط ، مقارنة بالفترة نفسها في العام الماضي.
فترة وجيزة قرر فيها البشر المكوث في منازلهم خوفًا من المرض، أتت بنتائج مبهرة في معالجة مشاكل البيئة التي تفاقمت بشكل ملحوظ، فقد تعافت مساحات كبيرة من الأرض بفضل انتشار هذا الوباء، ولكن المقابل كان باهض الثمن وهو حصد الأرواح دون سابق انذار، وكأن هذا الحاصل أشبه بضريبة تُدفع من قِبل البشر دون علمهم ورغمًا عنهم.
فلو كان هناك شعور بالمسؤولية ولو قليلًا عند كل فرد من سكان هذا الكوكب تجاهه، لو أننا نهتم ببيتنا الكبير الأرض كما نهتم ببيوتنا الصغيرة ونخاف عليها من الخراب، لو فكرنا مثلًا في أن نقلل من ركوب السيارات ونستخدمها فقط للأماكن البعيدة والحالات الطارئة كونها تسبب التلوث، ولو اتفقنا على تشريع قانون معين يُحدد فيه فترات زمنية متقاربة تتوقف فيه المصانع عن العمل، ولو كنا نمتنع عن استعمالات الطاقة الكهربائية الغير ضرورية كونها تسبب في زيادة الاحتباس الحراري.
والأهم لو أننا نزرع الأشجار في كل مكان لتنقية الهواء والتمتع في النظر لجمالها، ولو نحافظ على الثروة المائية، ولو نستهلك حاجاتنا بصورة صحيحة حيث نقلل من تراكم النفايات من خلال اعادة التدوير بطريقة صحية ومفيدة، ولو أننا نتبع الارشادات للحفاظ على البيئة الصحية والسليمة بشكل عام، لَما صرنا اليوم أمام هذا الخوف الكبير الذي تسبب الجميع بصنعه من ضعف قدرتنا على محاربة الفايروسات والأمراض حتى البسيطة منها والقلق المرعب من عدم النجاة في أرضنا، وكيف لنا الحصول على كوكب بديل؟!.
اضافةتعليق
التعليقات