علا وسهى ومنى ورشا صديقات مقربات. إلا ان العلاقة التي تربط سهى ومنى اقوى من العلاقة بين اﻷخريات، فهما قريبتان جدا من بعضهما، سرهما واحد وعملهما واحد.
في بداية الشهر الفضيل، أفضل الشهور بما فضل بنزول القرآن فيه وليلة القدر.
بدأت مواقع التواصل الاجتماعي تضج بالتهنئة والدعاء وطلب السماح والعفو والحث على استغلال أيام هذا الشهر بالطاعة، وبدء التغيير ولكن أي تغيير..! لنرى...
علا في بداية الشهر اتصلت برشا لتهنئتها، ولتتفقد احوالهم..
- السلام عليكم، كيف حالك يا رشا مبارك حلول الشهر الفضيل أفضل الشهور وأكثرها بركة، وان شاء الله سيكون شهر خير وبركة وتغيير وتكامل وتسامي للنفوس.
- وعليكم السلام، اهلا علا، إن شاء الله آمل ذلك وجعلك الله ممن يغتنم أوقاته بالخير.
- كيف حال منى وسهى، ما أخبارهما، أشعر بأن هناك أمرا ما، انهما متعبتان أغلب الوقت وليستا كالسابق.
- آه يا علا، يحز بالنفس ما يجري، يؤلمني ما حدث، لم أكن أتوقع ما بدر منهما، وهما كانتا الافضل بما يبديانه من حب لمحمد و آل محمد صلوات الله عليهم، ورغبتهما بخدمتهم وتقديم الصورة الحقة لمتبعيهم.. ولكن هيهات ما كان منهما لم يكن ليصدر ممن يتبع محمد و آل محمد حقا.
- ماذا هناك؟! ما الذي جرى؟! أخبريني لم أستوعب كلامك؛ هل يعقل ما تقولين؟!
- نعم عزيزتي، لا تتعجبي ولا تستغربي فللأسف أصبح هذا حال الأغلبية يفعلون ما لايقولون، نعم هم قد يرغبون حقا بقرب محمد وآله ولكن لا يستطيعون السير بنهجهم والامتثال ﻷمرهم، يصعب على نفوسهم أن تتخلى عن تكبرها وغضبها..
أنت تدركين مدى قرب سهى من منى وعلاقتهما الوطيدة لدرجة انهم أصبحوا كالعائلة الواحدة، حتى تبيت واحدتهم عند اﻷخرى واﻷهل مطمئنون.
- نعم أعلم ذلك، وصداقتهما يضرب بها المثل.
- لﻷسف عزيزتي لسبب بسيط ولا يستحق ذكره، هذه العلاقة تدمرت والمشاكل تزيد بين العائلتين يوم بعد يوم، وأصبح كل منهما لا يكلم اﻵخر..
وحتى مع بداية الشهر الفضيل الشهر الذي ينادى به بالتغيير وصقل النفوس لم تنته مشاكلهما ولم يتصالحا..
فكيف يكون شهر للتغيير ونحن لا نستطيع تغيير نفوسنا. أم هل التغيير يكون فقط ظاهري، تغيير بتنوع الطعام واعداده أو موعد المنام.
نعم كل هذا يتغير في شهر رمضان الكريم، ولكن اﻷهم كيف نغير نفوسنا ونتسامى بها، أليس التغيير يبدأ بالتخلي عن العادات السيئة، وترك الصفات الذميمة، والتحلي بالخلق العظيم الذي أوصونا به أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم، والذي قال عنه
رسول الله (صلى الله عليه واله):
"إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة واشرف المنازل وانه يضعف العبادة".
جامع السعادات ج1 ص343.
أليست أهم الاخلاق هي العفو والتسامح وكظم الغيظ ومقابلة الاساءة بالاحسان والصبر والحلم..
هذه الاخلاق العظيمة التي امتاز بها رسولنا الاعظم محمد وعترته الطاهرة والتي امتدحه الله بها دون غيرها فلم يمتدحه لكثرة صلاته وصيامه، إنما خص ذلك بخلقه العظيم الذي بسببه دخل أغلب الناس الاسلام.
وكذلك أهل بيته الكرام الذين امتازوا بأخلاقه وتساموا وارتقوا بافضل الصفات ففضلهم تعالى على الخلق اجمع..
فها هو وصيه ونفسه علي أمير المؤمنين عليه السلام لنرى كيف يتعامل مع الناس بخلقه العظيم...
ورد عن جابر، قال:"سمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) رجلا يشتم قنبراً وقد رام قنبر أن يرد عليه، فناداه أمير المؤمنين علي (عليه السلام): مهلا يا قنبر، دع شاتمك مهانا ترضي الرحمن، وتسخط الشيطان، وتعاقب عدوك، فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أرضى المؤمن ربه بمثل الحلم، ولا أسخط الشيطان بمثل الصمت، ولا عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه". الشيخ المفيد: كتاب الامالي،المجلس 14، ص 118.
ويشهد له المعتزلي الذي لم يستطع إلا أن يقر بفضل أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول ابن أبي الحديد في حلم الامام علي (عليه السلام): "وأما الحلم والصفح، فكان أحلم الناس عن مذنب، وأصفحهم عن مسيء، وقد ظهرت صحة ما قلناه يوم الجمل حيث ظفر بمروان بن الحكم وكان أعدى الناس له وأشدهم بغضا فصفح عنه..
ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة،ج1، ص 22.
فهذا هو خلقهم العظيم، ونحن إذ اخترنا إتباعهم هلا تحلينا ببعض ما امتازوا به وروّضنا أنفسنا على السير بنهجهم.
في كل الشهور وليس لشهر واحد ندعو للتغيير، فالتغيير وصقل النفس مستمر، إنما ممكن أن يكون شهر رمضان شهر الخير انطلاقا للتغيير والتسامي ويمتد لباقي الشهور.
- أحسنت عزيزتي كلامك صحيح جدا.
وقد صدمت مما كان من سهى ومنى لم أتوقع ذلك منهم ولم أتخيل ذلك؛ ولكن إن شاء الله تنصلح اﻷمور ويذهب رين القلوب، وتكون الأيام القادمة افضل؛ فاﻷمل لا يغيب وبلحظة يتغير كل شيء.
وها نحن اﻵن نقبل على ذكرى أليمة اهتز لها عرش السموات ذكرى مصاب سيد الوصيين كافل اﻷيتام والمساكين صاحب القلب الكبير الصابر المحسن لمن أساء إليه، مولانا أمير المؤمنين علي عليه أفضل الصلاة والسلام لنتعلم منه ونعاهده أن ننزع الغل والحقد والحسد والريبة من قلوبنا ونعمل على تطهيرها من الشوائب لترجع فطرتنا السليمة وتعود النفوس مليئة بالسكينة والحب.
اضافةتعليق
التعليقات