كان سماحة المرجع الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله يؤكد على جملة من اﻷفكار المركزية والتي تعتبر ضمن مشروعه النهضوي المتميز، منها:
* اعتماد (السلم) في العمل وكان يرفض حتى المشاعر القلبية السلبية تجاه اﻵخرين ويعتبرها مرحلة من الخشونة، فنظرية السلم عنده مع الصديق والعدو، وفي الكلام والعمل والقلب، وأكثر من التأليف في هذا المجال، وكان يقول: (السلم نبتة لا تهزها العواصف).
* التعددية واحترام رأي اﻵخر، حيث إن الرأي الحر من أولويات الحقوق اﻹنسانية وكل من له رأي جدير بأن يحترم ولا يجوز بحال من اﻷحوال أن يدان اﻵخر لفكر ورأي يتبناه، وكان يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحترم حتى الكفار والمنافقين ويتعامل معهم بالتي هي أحسن ما لم يحملوا السلاح ضده.
* ويعتقد رحمه الله بصورة أساسية بضرورة عقد مجلس تنسيق للمرجعيات الدينية العليا، وكان يعبر عن ذلك ب(شورى الفقهاء) أي المراجع، وإن عدم الشورى يؤدي إلى الفردية في القيادة وهذا معناه مصادرة دور المرجع الآخر، مما يؤدي ذلك إلى التشرذم والضعف واستقواء اﻷعداء. ولا يمكن إدارة اﻷمة الشيعية في العالم بمرجعية واحدة، ﻷن كل الطاقات لو خاضت الميدان لم تبق مساحات من هذه اﻷمة بلا قيادة وبلا رعاية وعناية، فكيف إذا انفردت جهة واحدة؟
* ومن نظرياته اﻷساسية وجوب إحياء اﻵيات الخمس المنسية وهي:
اﻷولى: آية الشورى: 《وأمرهم شورى بينهم》
الثانية: آية اﻹخوة الإسلامية: 《إنما المؤمنون إخوة》
الثالثة: آية اﻷمة الواحدة: 《إن هذه أمتكم أمة واحدة》
الرابعة: آية الحريات: 《ويضع عنهم إصرهم واﻷغلال التي كانت عليهم》
الخامسة: آية المسالمة واللاعنف: 《ادخلوا في السلم كافة》
فكان سماحة الامام الراحل رحمه الله يركز في إلقاء المحاضرات عليها وفي الاجتماعات الخاصة ويؤكد: إن تخلف اﻷمة اﻹسلامية سببه يكمن في نسيان هذه اﻵيات الخمس.
* ومن مبادئه التي ركز عليها كثيرا ونظر لها ودفع باتجاهها هي ضرورة (تشكيل المنظمة اﻹسلامية العالمية) وإن ذلك يتم عبر تنظيم مؤتمر لتأسيس النواة المركزية، ثم تقسيم اﻷعمال وتنظيم لجان والانطلاق للعمل وحول هذا الموضوع تحدث في كتابه (السبيل إلى إنهاض المسلمين) وغيره.
* ومن مبادئه أيضا ضرورة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في الحياة دون الحيد عنها يمينا أو شمالا لا شيء آخر على أنه (أحكام ثانوية) ويطبق باسم اﻹسلام. فمثلا كان يرى ويؤكد ضرورة تطبيق نظام (الضرائب الإسلامية) وفق الضوابط الشرعية ونظام (إقامة العدالة دون عنف) أي مكافحة الجرائم والانحرافات بالطرق الثقافية وتغيير القناعات لا بطرق الضغط والخشونة، وكان دوما ينتقد اﻹعدامات والضرائب والروتينات اﻹدارية المتعبة.
* وكان يرى ضرورة البساطة في العيش وإن هذه التعقيدات المعاصرة تضاعف المشكلات وتزيدها تعقيدا وكتب في هذا المجال كثيرا، وما كتبه هو مؤلفه الجميل (بقايا حضارة اﻹسلام كما رأيت). فكان يركز على البساطة في الزواج والسفر والسكن والضيافة وكل شيء.
* وكان يرى: إن المرجعية الواعية والناشطة هي القائمة على قاعدة (جمع الكل) فتتحول إلى خيمة ينضوي تحتها أبناؤها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فلا تتخذ المرجعية موقف التضاد من أي جهة أو فرد بلغ اﻷمر ما بلغ، إلا الطغاة الذين يلزم تجريد كل الطاقات ضدهم بالطرق السليمة. وشعار (جمع الكل) استراتيجي معتمد في منهجه.
* كان يؤكد على (أصالة التحصيل العلمي) والارتقاء إلى أعلى المستويات ويوصي تلامذته وأصحابه بضرورة (التملي من العلم) ﻷن (طلب العلم من المهد إلى اللحد) حسب النص النبوي الشريف.
* ومن حركته اﻹصلاحية اعتماد (التأليف) كوسيلة للتثقيف والتغيير، فكتب كثيرا وشجع على الكتابة، وربى على التأليف كثيرا، وما أكثر من ألفوا بناءا على تشجيعه وتوصياته وتبرعاته النسبية للطبع.
* وكان رحمه الله يطالب بالوحدة في زمن التشتت:
هذه الفكرة من أهم محاور أفكار اﻹمام الراحل رحمه الله، ﻷنه كان يدعو إلى رفع الحدود الجغرافية بين الدول اﻹسلامية، ويدعو إلى أن يكون المجتمع اﻹسلامي مجتمعا واحدا قد يختلف في لغاته، ويختلف في قومياته وعناصره، لكن كل ذلك يجب أن لا يحول دون وحدته، ولا ينبغي الاختلاف على أساس الجنسية أو على أساس حدود جغرافية وضعها الاستعمار لتفريق اﻷمة بمبدأ (فرق تسد).
كان كثيرا من أصحاب الفكر والثقافة يستغربون، ويعتبرون هذا الفكر مثاليا وغير قابل للتطبيق، ولكن أوربا طبقت هذه الفكرة من سنة (1990 م) فما بعد وعمليا سقطت الحدود الجغرافية بين دول أوربا، واﻵن الدول العربية وخصوصا دول الخليج وضعوا سقفا زمنيا، ولا أدري في أي سنة سوف يسقطون الحدود الجغرافية بينهم. إذاً هذه الفكرة التي كان يدعو لها السيد قبل (30) سنة هي فكرة عملية وقابلة للتطبيق.
فإذا كان العالم الإسلامي يقف بشكل جدي ومحايد - بعيدا عن الدعوات الطائفية والقومية والعنصرية - ويأخذ هذه اﻷفكار ويتبناها ويطبقها لكان بخير كثير.
فأي شخص من الناس عنده مثل هذه اﻷفكار النيرة على اﻷمة أن تقدره، وتحيطه بالعناية وترعاه، ولكن اﻷمة التي لا تفهم هذه اﻷفكار، ولا تثمنها، ولا تقدر أصحابها فهذه محنة عظيمة، تنزل على العالم الذي يعيش في هكذا ظروف.
اضافةتعليق
التعليقات