عندما أزفت ساعات الوداع وهي تقف على أعتاب الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك بعد رحلة من الأجواء الروحانية والإيمانية استمرت لثلاثين يوما, وبعدما أسدلت علينا تلك الليالي المباركة لليالي القدر العظيمة التي أحيا ذكرها الصائمون على ما جرت عليه عاداتهم اخذوا بالتجهيز للعيد وترقب هلاله بفرحة ولهفة كل منهم بأسلوبه الخاص, فالأطفال بملابسهم الجديدة وربات البيوت بتحضير الحلويات والمعجنات, والأسواق تزدحم بالناس للتبضع وتعج المحلات التجارية بالتجهيزات التي تناسب حجم المناسبة السعيدة، في ذات الوقت يقوم أصحاب المقاهي والمطاعم بتهيئة محالهم ورفدها بكل ما هو جديد وتزيينها وجعلها في حلة جديدة استعدادا ليوم العيد, فكل هذه الأجواء تشير بأن العيد سيحمل معه بشائر قبول الطاعات وتحقيق الأماني..
(بشرى حياة) أجرت هذه الجولة بين العوائل الكلابلائية للتعرف لما يعنيه لهم عيد الفطر المبارك واهتمامهم بهذه المناسبة الدينية الجليلة التي حلت ضيفا عزيزا لهم بعد رحلة الصيام..
الجائزة الكبرى
الحاجة أم عبير (54 سنة) قالت: "ها نحن ودعنا شهر رمضان بجمال ايامه وكرمه فلابد ان نكون اخذنا منه العبر واغتنمنا الفرصة للتقرب من الله عز وجل".
وأشارت: "إن كل يوم لا ترتكب فيه المعصية فهو عيد, وبرغم هذا تبقى فرحة العيد لها طعمها الخاص يتغلغل في قلوبنا ففرحة الصائم تأتي بعد رحلة طويلة مع الصوم لثلاثين يوما متتالية مع القيام بأعماله, فعيد الفطر المبارك بمثابة الجائزة الكبرى له, فنحن نقوم باستقبال العيد انا وعائلتي بأتباع سنة النبي محمد (ص) وكذلك العادات والتقاليد الاجتماعية المتبعة في هذه المناسبة فنبدأ باستخراج زكاة الفطرة, والغسل, وأداة صلاة العيد, وإعطاء بعض النقود للأطفال (العيدية) بعدها نرتدي الملابس الجديدة وزيارة الأقارب والجيران, للتهنئة كما نقوم بزيارة الأماكن المقدسة إضافة لزيارة أهل القبور".
وأضافت: " كما ان العيد فرصة لتصافي القلوب ونكر البغضاء بين الأقارب وحل النزاعات, فإن أجمل ما فيه هو التقارب بين العوائل وصلة الأرحام".
ختمت حديثها بالدعاء قائلة: "أسال الله سبحانه وتعالى أن يحفظ العراق والعراقيين وان يعيد عليهم هذه المناسبة المباركة باليمن والخير".
وشاركتنا الحديث حسناء مالك (35سنة) وهي أم لثلاثة أولاد قائلة: "إن فرحة العيد تغمر كل قلوب المسلمين بعد إتمامهم صيام شهر رمضان المبارك, فأن عيد الفطر هو يوم الحصاد للأجر والثواب الذي يجنيه الصائم من طاعته خلال شهر رمضان, وعلى الرغم من فرحة الصائم لإتمام صيامه إلا إنه يحزن لوداعه".
وأضافت: "إن أجمل شيء في العيد هي تلك الابتسامة التي تعتلي وجوه أطفالي بشراء الملابس الجديدة, وكذلك أسئلتهم المتكررة حول قدومه, وفي أي يوم يصادف وعن الأماكن التي سنزورها, أو نذهب إليها فيه, أرى إن قدوم العيد فرحة كبيرة لا توصف لكنها لا تكتمل عندي إلا بعد تحقيق الفرح والسعادة لأبنائي الأيتام فأنا أسعى لبذل كل ما بوسعي من أجل إدخال البهجة والسرور إلى قلوبهم الغضة لتعويضهم حنان الأب الذي افتقدوه منذ صغرهم".
عذرا لتشاؤمي
وشاركنا الشاب سلام التميمي 27سنة إذ كانت له وجه نظر أخرى حيث قال: "أنا لا أعطي هذه الأيام أهمية كبيرة فهي كسائر الأيام بالنسبة لي, كما ان فرحة العيد اضمحلت في الآونة الأخيرة نظرا لما تمر به البلاد من أوضاع اقتصادية وأمنية, واجتماعية, إذ اختلفت طرق التعبير عنها حسب المتغيرات الاجتماعية مثل طريقة التهنئة التي تعددت وسائلها وذلك عبر برامج التواصل في الأجهزة الذكية, لتصبح بديلا عن التزاور كما كان في السابق, فيما ان بعض العوائل تسافر خارج البلاد لقضاء أيام العيد للترفيه غير مبالية بالعادات التي من الواجب إتباعها في مثل هذه الأيام".
ختم حديثه:" أرى أن أيام العراقيين أصبحت متشابهة, لا يستطيعون التمييز بين أيام العيد والأيام الأخرى, عذرا لتشاؤمي فأنا لا أحمل براءة الأطفال وقلوبهم النقية لأفرح مثل ما يفرحون, فإن العيد الحقيقي عندي هو بتحقيق الأمان وارتقاء الوضع الاقتصادي والسياسي الراهن الذي ينذر الى المجهول, وأن ينعم العراقيين بحياة سعيدة وتوفير أفضل الخدمات لهم وكذلك القضاء على البطالة ومشاكلها وهذا لن يحصل إلا بتكاتف وتعاون القادة السياسيين ونبذ خلافاتهم وهذا ما أتمناه من أعماق قلبي".
ذكريات العيد
وعن أجواء العيد في السابق حدثتنا الحاجة ام احمد 62 سنة عن ذكرياتها قائلة: " كنا ننتظر ليلة العيد بفارغ الصبر حتى نحظى بمشاهدة المراسيم المقامة في الديوان (غرفة الضيوف) كان جدي يقيم احتفالا ليختتم الشهر الفضيل ويستقبل عيد الفطر المبارك حيث يستدعي فيه الأصدقاء والأقارب والجيران وتنشد فيه الأناشيد الدينية والابتهالات فضلا عن مختلف الحلويات والمعجنات التي تقدم فيه بأشكالها الجميلة والتي تعدها والدتي, وبعد الانتهاء من هذا المحفل نذهب مسرعين إلى أحضان جدتي التي تكون قد انتهت من تحضير عجينة الحناء لترسم على كفوفنا بها ثم تلفها بخرقة من القماش, عكس اليوم تماما فقد اصبحت الحناء جاهزة كما طغى عليها نقوش التاتو والوشم التي يحرّمها الدين".
وأضافت: "وما أن تشرق الشمس معلنةً نهار العيد حتى نتسارع الى جدي لأخذ المال بغية ركوب الارجوحات التي يصنعها العم سلمان الذي كان يقطن في زقاقنا انذاك, وهو متخصص بصنع ارجوحات العيد من لوح الخشب بشكل بدائي بسيط إلا انه يحملنا في الهواء ونحن فرحين بعيدين عن كل تصنع, وعلى الرغم التغيرات التي تكللت حياتنا إلا إني مازلت أحافظ على بعض تلك الطقوس وأشاركها مع أحفادي, فلا أود أن تتلاشى ذكريات عيدنا في غياهب النسيان".
جوائز الرابحين
وفي نهاية جولتنا التقينا الشيخ كاظم العابدي شاركنا قائلا: "نحن ودعنا شهر رمضان المبارك شهر دعينا فية لضيافة الرحمن (عزوجل) فهنيئا لمن اغترف منه غفران الذنوب وتكفير الخطايا شهر ليس كباقي الشهور في لياليه ونهاره وساعاته وفيه ليلة أفضل من الف شهر, ففي هذا الشهر يغفر الله الذنوب وفي الحديث الشريف: (أن من صام شهر رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنه وما تأخر) وفي الخبر عن أهل البيت (ع) أن الصائم يخرج من شهر رمضان كيوم ولدته امه, والمسلمون اليوم يفرحون بقدوم عيد الفطر لعدة أسباب, أهمها انتهاء الواجب المكلفين به من قبل الله تعالى بصورة صحيحة, وهو صيام شهر رمضان وكذلك الحصول على جوائز الرابحين في صيام هذا الشهر الفضيل ومنها غفران الذنوب العظام".
وأضاف العابدي: "ان لعيد الفطر خصوصية دينية لدى المسلمين كافة كونه يأتي بعد شهر كامل من الامتناع عن المباحات ففي رمضان يصوم المسلم بكل جوارحه, فضلا عن إحياء ليالي القدر المباركة ومن هنا برزت أهمية العيد وما يحمله من أعمال مباركة باعتباره أول الأعياد ولقد اعتبره المسلمون فرصة جميلة للتزاور ورفع الشحناء والبغضاء والغل الذي يكون من عدة شهور مضت قبل حلول هذا اليوم العظيم".
اضافةتعليق
التعليقات