لكل يوم من الاسبوع نكهة خاصة عند الحاج حامد وليوم الخميس نكهة مختلفة لاتوصف، فهناك مراسيم اسبوعية لابد منها، فكل مرة كنت اتابع مايفعله هذا الحاج في يوم الخميس واقرر ان احدثه ولكن سرعان ما امتنع عن الحديث حتى لا ازعجه بتلك الاسئلة التي كانت في جعبتي، كان يروق لي ان اعرف اسرار الخميس ولماذا هذا اليوم، فهناك الجمعة والمعروف ان الناس تاخذ فيه الراحة وتمارس حياتها الخاصة، الا الحاج حامد كان مختلفا تماما..
وبين صمت مشحون بالانتظار ان ياتي هذا اليوم ، تنقلني الافكار الى الشك فيما يفعله هذا الحاج، وتدفعني الظنون الى مكان بعيد بعيد جدا، تغرس الافكار في عقلي، فتجعلني اعيش في هياكل الظن والشك، حتى ذاك اليوم، بدأت تقتصر المسافة وشارف يوم الخميس على المجيء ، كل ما لدي ينتظره، طالت ليلة الاربعاء حتى ظهر فجر الخميس معقود بتلك الحبائل التي كانت معلقة في مخيلتي.
خرج الحاج حامد ومعه قارورة من الماء وباقة من اليأس وشيء يخبئه تحت رداءه، من حجرتي وانا أطيل النظر، عاد بعد ساعة ونصف الى الدار، وقضى باقي الساعات في باحة الدار يقرأ في كتاب مغلف بقطعة من القماش الاخضر، وبيده تدور حبات المسبحة.
ربما حان الوقت لاعرف ماذا يفعل هذا الرجل المسن، ابنته كانت رفيقتي ايام الدراسة، ساذهب اليها واستدرجها في الحديث لعلها تريح عقلي من هذه الافكار، حملت صحن من الحلوى، وارتديت عباءة امي وذهبت الى دار الحاج حامد حاملة معي الحلوى والكثير من الحيرة.
بين القبلة والترحيب استقبلتني ابنة الحاج واجلستني في فناء الدار حيث كان يجلس ابيها، عيناي كانت مشدودتين حول الكتاب الاخضر، ومن حديث الى اخر طلبت منها ان اتصفح هذا الكتاب لجمال لونه، ابتسمت ابنة الحاج وقالت ان هذا ليس كتاب عزيزتي، انما هو دفتر خط فيه ابي بعض الادعية والختمات التي كانت ممنوعة في زمن الطاغية صدام، وكان بيت جدي خال من مفاتيح الجنان وضياء الصالحين، فكان ابي يذهب الى الصحن الحسيني الشريف ويخط ما كتب حول الضريح في هذا الدفتر، وبعض ما كان يسمعة من الشيوخ في الحرم في ذاك الوقت، حتى ان بعض الادعية نقلها عن لسان احد الشيوخ، فكان من عادته ان يتصفح هذا الكتاب ويقرأ ما فيه ليلة الجمعة، لانه شامل لاعمال يوم الخميس المبارك، وبعد هذه السنوات وسقوط فرعون العصر وتوفير الكتب الدينية في كل مكان مازال ابي محتفظا بهذا الكتاب الاخضر ولا يفارقه، يوم الخميس يجعله اكثر تعلقا به، خاصة عندما يذهب الى زيارة القبور ويقرأ ما كتبه ايام زمان من زيارة واعمال، .قطعت حديثها وقلت ماذا تقصدين بزيارة القبور؟
من عادتنا نزور الموتى يوم الخميس وقراءة سورة الفاتحة، ويستحب استحبابا مؤكدا زيارتهم والتصدق عنهم، فقد قرات في كتاب ابي الاخضر بعض من اداب زيارة القبور منها الدعاء لهم ، وقراءة القرآن عندهم، وما يهدى إليه من ثواب القربات ينفعه، روى عنهم (ع): من لم يقدر أن يزورنا فليزر صالحي موالينا، يكتب له ثواب زيارتنا.. فكل خميس يحمل ابي معه الماء والياس ويذهب الى المقبرة يقرأ عليهم من الكتاب.. وعندما يعود يكمل حرز اليوم وتعويذاته وباقي الاعمال الموجودة فيه وان كان الخط قد بهت لونه والاوراق اصبحت صفراء الا انها في نظر ابي لوحة من الجمال والتناساق، وهل ينتهي يوم الخميس عند والدك الى هنا؟!
لا يا عزيزتي كيف ينتهي الخميس من دون زيارة المولى الحسين وترك قبلة على ضريحه والصلاة في محرابه في ليلة مااعظمها فهذه هي تعويذة ابي ليوم الخميس، الذي اعتاد عليها منذ طفولته وتوارثها من الاجداد ونقلها لنا، ليبقى كما هو عليه من الاعمال المستحبة في هذا اليوم ويقدمها صالحة الى الله سبحانة وتعالى واهل البيت عليهم السلام، فيكون يوم خاص بكل ما فيه.
شعرت في وقتها بالراحة والرخاء فكل الافكار التي كانت تدور رجعت خائبة واعتالت المشانق الظنون، وعرفت انها تعويذة يوم الخميس الصالحة، وعودت نفسي ان اعمل بها ما بقي في هذا اليوم.
اضافةتعليق
التعليقات