فتحنا أعيننا ونحن ندرس علوماً طبيعية في المدرسة الابتدائية، وتنمو معنا نمو الأفكار والمشاعر حتى نحسبها جزءاً أصيلاً منا، وبها نرى العالم، فلا نراها علوماً غربية أو شرقية بل علوماً فحسب لأن العلوم الحقيقية كما نعتقد ولدت في الغرب، هذه هي النهضة، وهذه هي نقطة انقلاب الحياة، ولذا نطمح لإجادة الإنجليزية لنكون أقرب لمنابع العلم السامي وأساسه.
لكن هل هناك مشاكل في العلوم الغربية؟
- نشأت وتطورت لإحكام القبضة على المستعمرات
كان هناك سباق محموم بين بريطانيا وفرنسا وأسبانيا وإيطاليا لتوسيع رقعة الاستيطان الاستعماري في آسيا وأفريقيا وقارات العالم الجديد في مراحل زمنية مختلفة من التأريخ، وإن أمريكا وكندا وأستراليا هي من مخلفات تلك الحقبة وقد قامت على إبادة الشعوب الأصلية.
ولأن الجشع والأطماع الاستعمارية وعاء لا يفتأ يريد المزيد، لذا تطور العلم برعاية سخية من الإمبراطوريات أنذاك لتطوير علوم الكيمياء والفيزياء لأجل السلاح، ونشأت هندسة الأسلحة، وأخذت العلوم العسكرية بالتطور والتشكل خدمة لهذه الغاية، كما تطورت العلوم الطبية لحماية الجنود وإطالة أعمارهم تقليلاً للخسائر البشرية التي تؤدي لخسارة الحرب وتطويراً لوسائل الفتك الحيوي بالشعوب المحتلة، وتطورت أيضاً العلوم الاجتماعية والنفسية وعلوم الاتصال لفهم المجتمعات المحتلة وإضعافها والسيطرة عليها وتحسين أوضاع وتعزيز الروح المعنوية لدى جيوش الاحتلال ومواطنين الإمبراطوريات.
فالأباطرة والملوك حين يغدقون بالعطاء ويمنحون الملايين يضعون في حسبانهم أن المردود هو أضعاف مضاعفة لما بذلوه.
- لا محددات:
تفتقد العلوم الغربية إلى المرجعيات الثابتة، فما هو أخلاقي وغير أخلاقي غير واضح، ويتغير باختلاف الأحزاب الحاكمة والتيارات الفكرية المسيطرة، فتطوير أغذية قادرة على تعقيم نسل الدول الفقيرة نتيجة سنين من الاحتلال وسياسات التجويع والتجهيل المقصودة قد يبرر على أنه أخلاقي لحماية الأطفال من حياة البؤس والشقاء بدل إنهاء الاحتلال مثلاً.
وأحياناً يضرب بالأخلاق كلها عرض الحائط عندما تتعارض مع المصالح، كما حدث في هيروشيما وناكازاكي، وكما يحدث الآن في غزة، فالأسلحة الفتاكة هي نتاج علم بالغ التطور.
إن العلم من أجل العلم وخير الإنسان تلك الصورة الناصعة في أذهاننا عن العلوم الغربية هي صورة مصطنعة، محض خرافة، شعارات تسويقية، كما إن فكرة وجود علم من أجل العلم فقط أساساً هي فكرة تجعل العلم متوحشاً قادراً على إلتهام مبدعيه ومطوريه فضلاً عن عامة الناس، فإن لم يكن له غاية فكل الغايات غاياته خيرها وشرها.
- المكسب الاقتصادي مقدم على كل شيء
في ظل تبلور الفكر الرأسمالي بهيئته المعاصرة وتعاظم سلطة المؤسسات الاقتصادية على السياسات العالمية، بدت الحروب كخسائر اقتصادية وبشرية لا طائل منها، فلم يعد يرغب الأثرياء برؤية الحروب وموت الطاقات العاملة في مؤسساتهم ومصانعه، بل أصبحوا لا يحبذون موت الأعداء فعليهم أن يعيشوا كعاملين بأجور متدنية، ومستهلكين شرهين ليزداد الفقراء فقراً ويزدادوا هم ثراءً، وتحكم قبضتهم على الموارد البشرية والطبيعية العالمية، وعندها يمكنهم التخلص من أي أحد متى شاؤوا وبأقل الخسائر.
ولكي يفعلوا ذلك سخروا العلوم أجمع للسيطرة على فكر ومشاعر الجموع، وإقناعهم بأنهم بحاجة إلى حياة أخرى هم ليسوا بحاجة لها، وإدخالهم حلقات من الاحتياج والمرض وشد انتباههم عن سيرهم نحو المهالك.
فهم يطلقون دراسات علمية جديدة كلما احتاجوا الترويج عن منتجات وأفكار جديدة، وهم في بحث دائم عن أساليب وطرق جديدة لتعزيز ولاء الأصدقاء والتابعين وسحق الأرواح الثائرة والعقول ذات المعتقدات المختلفة، وكل مختبرات العلوم ومراكز البحث هي مسخرة في خدمة المؤسسات الاقتصادية المانحة، وتعمل لمنح أنشطة تلك المؤسسات صبغة رصينة ومحترمة.
فهل تعتقد أنهم لم يصلوا إلى حلول علمية لتفشي الأوبئة والأمراض عالمياً؟ بالطبع وصلوا، ولكن وجود هذه الأوبئة والأمراض مربح أكثر.
- همشت العلوم الغربية كل علوم الأقوام الأخرى:
التهميش لم يكن معنوياً فحسب، بالإضافة إلى تدمير وحرق وسلب الكتب، وقتل العلماء والنابغين، وتحطيم معنويات أجيال من المتعلمين بشكل ممنهج ومدروس، قد أُصدرت بحوث علمية تؤكد أن هناك مشاكل في أساليب حياة الحضارات المختلفة وعلومهم كالطب والعمارة والزراعة والتربية والتعليم، وهناك مجالات علمية تطورت لزرع هذا الفكر بالدول المحتلة حتى لا يفكروا في استعادة أمجادهم العلمية، أو العلاج بعلاجاتهم التي تشفي شفاء ناجعاً فلا يعود الإنسان محتاجاً لشراء دواء، أو استخدام طرقهم القديمة المستدامة لزيادة المحاصيل الحيوانية والنباتية التي لا تؤذي الطبيعة ولا تسبب بأزمات أخرى يستلزم علاجها المزيد من الاستهلاك.
إن الاعتراف بعلوم الأمم الأخرى سيكشف ضعف وركاكة العلوم الغربية وسعيها الدائم لخدمة المال وأصحابه.
ألا يوجد لدى العرب مثلاً كتب في التربية؟ ألم يكتبوا في النفس وأحوالها؟ ألم يكتبوا بالرياضيات والكيمياء والفيزياء والطب؟ لماذا تتناول الكتب حتى العربية منها العلم وكأنه ابتدأ مع الثورة الصناعية وما يليها على يد علماء الغرب؟ وكأن العالم بدأ تأريخه عندها... قد يكون هذا صحيحاً بالنسبة لأوروبا ومستعمرة أمريكا، ولكنه ليس كذلك بالنسبة للحضارة العربية الإسلامية، وحضارات آسيا وأفريقيا، ولكن كل علم الغرب كرس نفسه تكريساً تاماً لجعل العالم يؤمن بأن شمس علوم الغرب حين أشرقت جاء معها فجر حضارة العالم.
- تضارب النتائج:
من السهل أن ترى الأبحاث العلمية المعتمدة من مراكز علمية مرموقة تتضارب نتائجها تضارباً صارخاً مع أبحاث مراكز علمية أصغر وحتى مع نتائج أبحاثها هي في فترات زمنية مختلفة، وعادة يؤخذ بنتائج أبحاث المراكز الكبرى الأكثر شهرة بغض النظر عن جودة نتائجها، فلا مرجعية لتوجيه العلم، وأغراض هذا العلم هو تحقيق الربح الاقتصادي وتعزيز السيادة.
- تتبع ما هو رائج:
تتبع العلوم الغربية اليوم ما هو رائج في مجال البحث العلمي، فبحوث الذكاء الاصطناعي وتأثيرها على المجالات العلمية هي في مقدمة قائمة الموضوعات البحثية في الغرب الذي يدير اتجاهات البحث عالمياً.
لكن الأبحاث التي يحتاجها العالم لكي يستمر هي بعيدة عن الأفكار والمواضيع الرائجة، غير أن المواضيع الرائجة مربحة أكثر.
- الاستعلاء الأبيض
يظهر الاستعلاء الأبيض (white supremacy) بأشكال عديدة في البحث العلمي، منه عدم إيلاء أهمية للبحوث القادمة من أي دولة عدا الدولة الأوربية ودول أمريكا وكندا وأستراليا باعتبارها دول ما زالت تابعة للتاج البريطاني.
ولن أتحدث عن إحداث اضطرابات داخلية في البلدان المستقرة لإعاقة تطورها العلمي، بل سأشير تشويش وإخفاء الإنجازات العلمية للباحثين من أصول غير بيضاء في بلدان العالم الأول، لاعتقاد راسخ بأن العرق الأبيض هو العرق الأرقى والأكثر ذكاءً ولن يصدر أمر ذو قيمة علمية من الأعراق الأخرى المتخلفة.
كما أن الأشخاص من عرق أسود كانوا يمنعون من الارتقاء في السلم العلمي لأنهم ليسوا بشراً ذوي حقوق مدنية.
- إخفاء الحقائق:
ما دامت الحقائق العلمية تؤذي الدولة أو تتسبب بضرر للمؤسسات الاقتصادية أو تقلل ربحها، فهذه الحقائق لا يجب أن تكشف، وتظهر تحقيقات وإفادات عدة أن هناك علماء وباحثون هددوا وقتلوا فعلياً أو معنوياً لأنهم وصلوا إلى حقائق ما كان ينبغي لهم الوصول إليها وحاولوا إذاعتها، والشواهد على ذلك كثيرة.
- الألقاب العلمية
اختراع نظام الألقاب العلمية لهدر العمر الأكثر إنتاجية لدى الإنسان في السعي للحصول على رضا المجتمع العلمي، كما إنه نظام لحصر العلم لدى فئة قليلة، وجعله هو النظام الموحد عالمياً للاعتراف بشرعية المعلومة، وهو ليس من أجل المعلومة.
- منهجية البحث
المنهجية المعترف بها عالمياً والتي لا يجرؤ أحد على نقدها والتي يرى الجميع مشاكلها هي منهجية غربية، وهي سبب في إضعاف عملية البحث والوصول إلى نتائج جديدة لتحديد الباحثين بأدوات معينة لا يُعترف بغيرها، وبهذا يصبح العلم أحادي النظرة إلى العالم.
ألم يكن هناك علماء مسلمون وصينيون وهنود مثلاً وصلوا إلى نتائج علمية مذهلة بدون هذه المنهجية الحديثة؟ ما هي أدواتهم؟ وكيف توصلوا إلى ما توصلوا إليه؟ لماذا نتنكر لتلك الأساليب؟
- عينات البحث المحدودة.
لأن الفكر الاستعلائي لا ينظر للأفراد خارج العرق الأبيض على أنهم بشر، والعالم كله يرتكز على العرق الأبيض، لذلك أغلب النتائج العلمية قائمة على عينات من العرق الأبيض، فعلى سبيل المثال وحتى وقت قريب نسبياً كانت العمليات التي تجرى علي السود في أمريكا بدون تخدير لاعتقادهم أنهم عرق لا يتألم وليس بشري حتى فلم يشملوا بأي تجربة طبية.
- السيطرة الصهيونية
تسيطر المنظمات الصهيونية على أغلب الجامعات ومراكز البحث والمستوعبات العلمية، وتعمل على حصد البيانات والمعلومات لاستخدامها في السيطرة وتسيسها في اتجاهاتها الخاصة.
- الفساد الإداري:
إن المنظمات التي تعمل على فحص النتائج العلمية وضبطها وتقييمها هي مؤسسات تتعرض للضغوط كما تتعرض أي مؤسسة أخرى في أي مكان من العالم، كما إنها تتأثر بالرِشا والهدايا، كما تتأثر بالمحسوبية، وقد تضم عاملين غير أكفاء يصدرون قرارات غير صائبة، فلا تنزيه لهذه المؤسسات عن الخطأ لأنهم قابعون في بقعة جغرافية ساحرة طبيعياً.
- حداثة العلوم الغربية
إن العلوم الغربية بكل مخرجاتها واكتشافاتها ومنهجياتها ومنجزاتها المسلم بها تماماً والتي يعتقد بها البعض كاعتقادهم بالأديان، لا تتجاوز ثلاثمائة عام بأحسن الأحوال، وبعضها لا يتجاوز المئة عام، وما زالت تتطور وتنضج، ويكتشف فشلها بعد تطبيقها واختبارها عبر الأجيال، لتصحح النظريات وتغير كلياً، ففي وقت ما كان الأطباء ينصحون بالتدخين، وقبل سنوات قليلة كانوا يمنعون الدهون كلياً، وكان تعدد الأطفال يعد أمراً سيئاً للصحة النفسية وينصح بطفل وحيد من أجل جودة حياة عالية، وهلم جراً.
إن كنت وصلت إلى هذه النقطة من المقالة، فأشكرك لحسن وصولك، قد تشعر ببعض الارتباك، وقد ترفض هذا المحتوى كلياً لأنه يزعجك، فلماذا يا ترى قد يزعجك وأنا لم أتحدث عنك أو عن حضارتك أو دينك؟
لقد أُقنِعنا أن الإيمان بعلومهم بديل الإيمان بالدين، وهو من أجل خير البشرية، بل نستمد تعريفنا عن ذواتنا الراقية ومدى ثقافتنا من ذلك الإيمان.
هذا الإزعاج بداية استفاقة، لا بأس، اغضب، ارفض، وعارض، هذه هي الحقيقة التي تعرفها الآن حتى الشعوب الغربية، ليست سراً أو حقائق مخفية، بل حقائق بينة واضحة لذي عينين، آخرها لقاح كورونا إسترازينكا الذي بالعلم استطاع إقناع المليارات على ضرورة أخذه وتبين الآن أنه تسبب بعاهات مستديمة للبعض وموت آخرين.
ليس الغرض من هذه المقالة زرع الحقد في داخلك تجاه جهة بعينها، بل رؤية العالم بوضوح أكثر، والحذر من القبول بكل شيء بصورة عمياء.
نحن لا نرفض العلم بل المنظومات العلمية الغربية، لطالما كان العلم وسيظل معياراً للتقدم والتطور البشري.
اضافةتعليق
التعليقات