المقالة الفائزة بالمرتبة الثالثة في مسابقة بشرى حياة للمقال
إن المرأة اليوم أصبحت عنصراً فعالاً بل اساسياً لا استغناء عنه في مجتمعاتنا الإسلامية وغيرها، ولايمكن لأحد أن يغفل عن أهمية ودور المرأة في عصرنا هذا... باتت المرأة شريكة الرجل وسنده فهي الكيان الذي يجهد الى إثبات وجوده بعزيمة و قوة مستغلة بذلك قدراتها ومكوناتها كامرأة جعل الله فيها المحبة و الحنان والرحمة والسكينة. إيذاء ذلك نجد أن دور المرأة يتبلور في عدة أصعدة و مجالات منها:
شريكة في الحياة الزوجبة (زوجة و أم)، إندفاعها لإكتساب العلوم والمعارف و إنخراطها في السياسة وميادين العمل المختلفة. فما هي هذه الادوار التي جعلت من المرأة نصفاً لا يستغنى عنه ولا يستهان به في تحقيق الكمال للمجتمع؟؟ و كيف باتت نجاحات السيدة الزهراء عليها السلام منهجاً تتبعه المرأة الناجحة في المجتمع الإسلامي و غيره؟؟؟
لم تكن المرأة ناجحة في مجتمعها الخارجي لولا نجاحها في مجتمعها الداخلي الخاص وما يقصد من مجتمعها الخاص هو تلك المؤسسة الصغيرة التي اشتركت فيها بقرار وقبول هادفة إلى تعزيزها وسموها، تلك المؤسسة التي تعتبر المحطة الأولى التي شاركت فيها الرجل الحقوق والمتطلبات و الحاجات. فكيف لها أن تسمو وترتقي وتأخذ حيزاً مهماً في محيطها و مجتمعها الخارجي إذا لم تنجح في الوصول إلى هذا السمو و الرقي في مؤسستها ومجتمعها الداخلي هذا... يمكن لنا تلمس هذه النجاحات مذ قامت المرأة بدورها تجاه شريكها كمسؤولة وواعية بمعنى آخر إن النجاح الذي يتطلب من المرأة الوصول إليه في هذه الحياة الزوجية يكمن في تحقيقها للسعادة في هذه الحياة، وهنا نرى أن من مفاتيح السعادة يندرج أهمها تحت ثلاثة كما رأى الاستاذ والمرشد الشيخ (أكرم بركات) في كتيبه سعادة الزوجين في ثلاث كلمات: "لباس ومودة ورحمة"... أما بالنسبة للمفتاح الأول "لباس (1)" فكما أشار الله في محكم كتابه "هن لباس لكم و أنتم لباس لهن"(2) أي أن المرأة اليوم يحب أن تكون لباساً لزوجها الذي يحفظه ويتلاءم معه، فمن المعروف أننا نختار اللباس الذي يزيننا ويلائمنا، من هنا عليها أن تكون ذلك اللباس، فليس هناك أجمل من المرأة العاقلة الرصينة المتدينة المدبرة تسعى إلى إتمام واجباتها في حياتها التي اختارتها.
أما بالنسبة للمفتاحيين الثاني والثالث فإنهما يوضحا بقوله تعالى "وجعل بينكم مودة ورحمة" (3)، فمودتها هذه الذي كرمها الله عز وجل بها هي كما عرفه العلامة الطباطبائي (ره) في تفسير الميزان ب "الحب الظاهر أثره في مقام العمل"(4)، وهنا يوضح لنا سبب آخر لنجاحها وهو تأثير المودة على العمل وعدم بقائه شعوراً فقط.
ورحمتها كما ذكر اللغويون أن معنى الرحمة هو (الرقة والتعطف) فيقال رحمة إذا رق له وتعطف عليه (5)، ومعناها هذا لا يتحقق بمجرد رقة القلب بل بظهورها في السلوك والعمل. فعلى المرأة الناجحة أو التي تسعى الى النجاح أن تتبع هذه الأسس وتطبقها في حياتها الزوجية. ومن الضروري لفت النظر الى دورها في هذه الحياة كونها أم أيضاً وليست فقط زوجة، فالأم هي الينابيع التي لا يجف ماؤها وكلما عطش طفلها روته بماء الحب و المودة والحنان.
كذلك إن من أهم أدوار المرأة اليوم في مجتمعها هو نتاج إندفاعها لإكتساب العلوم والمعارف فهي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تنقل وتبث روح الثقافة والوعي والحضارة في نفوس الأجيال والمجتمع كونها الأم والمعلمة والمربية المرشدة في كثير من الأحيان والمجالات. وهذا لا يمكن أن يكون إلا نبذة صغيرة مستوحاة من الشغف والجهد والتعمق الذي كانت تسعى وتبذله السيدة فاطمة (عليها السلام) في أخذها وتلقيها المعارف والعلوم التي كانت في حوزة أبيها رسول الله (ص)، ولا شك أو ريب انها عليها السلام من خزائن علم الله. فعلى وجه الخصوص نتحدث عن المرأة في مجتمعاتنا الإسلامية التي تتكبد العناء والجهد في الوصول الى العلوم والمعارف فعلى عاتقها اليوم مسؤوليات مختلفة ومتعددة تضع في طريقها بعض العقبات التي تتخطاها بإقتدائها بصبر الزهراء (عليها السلام) و إرادتها العالية شغفاً للوصول الى أقرب درجة من الكمال.
إضافة إلى أهمية اكتسابها للعلوم والمعارف في تبلور دورها فإن وجودها اليوم وانخراطها في السياسة وميادين العمل تُشكل نقطة تحول وقوة تمكنها وتثبتها، فبعد أن كانت وظيفتها داخلية، أمومة وارضاع وتربية وتدبير وتهذيب، تحولت من مجرد ذلك الى وظيفة خارجية في المجتمع العام ويبرز ذلك بوضوح في مختلف الأصعدة والمجالات سواء أكانت ممرضة أو مربية مرشدة أو معلمة أو إعلامية وحتى مهندسة وعضو في المجالس السياسية وغيرها، جعلت منها وسيلة لنشر الثقافة والعلوم، وتلبية حاجات المجتمع الاسلامي الضرورية، فمن منا ينكر أهمية وجود المرأة كممرضة مثلاً أو كمُرشدة دينية، جعلت بوظيفتها هذه إنتقال الثقافة والعلوم والاحكام الدينية منتشرة بين العموم والأجيال وهذا ما كانت تحرص عليه الزهراء (عليها السلام) في إلقاْئها واعطائها الدروس التربوية والدينية لنساء أمتها آنذاك محاولة إغنائهن وإرشادهن وتصويبهن نحو نور الهداية والاهتداء.
ولم يحد دورها (عليها السلام) في هذا المجال فحسب، بل كان لها وقفات من التاريخ سجلت لتصبح منهجاً متبعاً من كل إمرأة مسلمة تدافع عن حقها و حقوق الآخرين، أحكم دليل حركتها الفاطمية ضد الظالمين التي ناهضتهم بها وطالبت بحقوقها وفق الآداب والشريعة والاخلاق العليا، فالحوراء (عليها السلام) بمقاومتها كانت تبغي إما تحقيق إنتفاضاً جماعياً على الخليفة، إما أن لا تخرج عن دائرة الجدال و النزاع بدون أن تجر الى الفتنة والانشقاق حرصاً منها على أمور الامة الاسلامية وهدف أبيها وزوجها فلم ترجح حقها على حساب حقوق الآخرين بإبقاء الأمن مستتباً ومسيطراً ولم تؤذي غيرها لتحقيق مكاسبها والحصول على حقها بل كانت تسعى إلى تحقيق مطالب الامة الاسلامية جمعاء.
أخيراً وليس آخراً، المرأة اليوم لم تكن لتحقق نجاحاتها لولا صبرها وارادتها القوية وتصويب نفسها نحو المسلك الصحيح من الوعي والادراك والمعرفة الذي جعله الله من الطرق التي أمر الانسان سلوكها، فيبحث ويُفتش ويتعمق للوصول الى النجاحات فمن سلك عبر، ومن تاه عثر وخرج عن الفطرة التي فطره الله عليها من شغف المعرفة وتحقيق النجاح. فمتى ثابرت المرأة وناهضت وكافحت فإنها حتماً وبإذن الله ستصل الى النجاح مقتدية بالابرار المنتجبين عليهم افضل الصلاة وأتم التسليم.
اضافةتعليق
التعليقات