لا يختلف اثنان أن الوطن هو أغلى ما نملك، وأننا مهما بذلنا لأجله، فلن نوفيه حقه، فقد عشنا تحت ظله، وأكلنا من خيراته، وترعرعنا فوق أرضه وبين جنباته، وتوفر لنا بهذا الوطن الآمن والأمان، وبعد كل ذلك، فمن منا لا يحب الوطن؟!
يكفينا من ذلك كله ديننا الإسلامي وشريعتنا السمحة التي حثتنا على الانتماء إلى الوطن، ومن هنا ينطلق حب الوطن، ويترسخ الانتماء، فالأسرة مسؤولة والمجتمع مسؤول والمؤسسة التربوية «المدرسة» مسؤولة عن غرس هذا الحب في قلوب أبنائنا الطلبة، وتنمية ذلك الحب والانتماء.
وذلك عن طريق رد الجميل، فالوطن قدم لنا الكثير، وعلينا رد ذلك الجميل من باب أن الإحسان بالإحسان، وهذا ما حثنا عليه ديننا الإسلامي، عن طريق تقدير واحترام ممتلكات الوطن، فالمدرسة وما تحتويه من أثاث وأدوات خاصة بالتعليم، تعد من ممتلكات الوطن، ومن الواجب علينا تعليم الطلبة بالمدرسة، المحافظة عليها وعلى نظافتها ونظافة الشوارع العامة، وعدم رمي الأوساخ والمخلفات فيها. فهذا جزء من حب الوطن وحب الوطن من الإيمان.
إن مفهوم حب الوطن، هو ذلك المفهوم العملي الواقعي الذي يتعدى الشعارات البراقة والأناشيد الحماسية، فأعظم هدية نقدمها للوطن، تتمثل في ذلك الانتماء الذي يتعدى حدود الذات ومصالحها ومباهجها، إلى التضحية بكل دقيقة، وبكل حواسنا ومشاعرنا في سبيل بنائه.
كيف نشرح مفهوم الوطن للأطفال؟
الوطن هو المكان الذي يعيش فيه: أي أن يولد في مكان يضم أناساً تربطه بهم قصص من التاريخ، والحدود الجغرافيا وعادات وتقاليد، وزي موحد، وأكلات شعبية يحبها، تعدها الجدّة والأم كل يوم، أفهميه أن الوطن هو مجموعة صفات تجعله مميزاً، له حقوق لا يمكن أن يمنحها له وطن آخر، وواجبات عليه أن يقدمها هو بالمقابل، من التزام واحترام.
الوطن هو المكان الذي يبدأ فيه يومه: أخبريه أن الوطن هو كل ما يراه صباحاً حين يخرج إلى المدرسة، إلقاء تحية الصباح على الناس، ولقاء الأصدقاء، واللعب معهم بأمان، لأن هناك من يحميهم من حولهم.. الوطن هو في الطريق إلى المسجد، وفي نظام المرور، ونظافة الطرقات، وفي كل ما يوفر له حياة متكاملة، ثم قولي له بشكل مبسط: "الوطن هو القوانين المنظمة التي تحمينا وتسهل أمور حياتنا".
الوطن هو لغة ومفردات مليئة بالحب: أي أن هناك صيغة تفاهم بينه وبين الآخرين، تعتمد على لغة معينة، لكن هذه اللغة تتشعب إلى لهجات محلية، يتقنها أفراد كل منطقة، وهي تعني عادات وتقاليد، تجمعهم بباقي المناطق، أفهميه أن هذه اللغة ليست مجرد كلمات وأحرف، بل هي تعبير عن الحب للآخرين، والتعاطف مع الكبير والصغير، وحب الخير للجميع، سواء كانوا داخل حدود الوطن أو خارجه.
اربطي الوطن بالشعر: هذه الطريقة تغذي مشاعر الطفل، مثل، نشيد: "روحي وما ملكت يداي فداه ... وطني الحبيب وهل أحب سواه" أو "حنا هلك يا دارنا برد وهجير" أو "بلادي بلادي منار الهدى". حضور الوطن في هذه الكلمات، يغرس في الطفل حب المكان، إذا تغنّى بهذا الشعر بعد أن سمعه في البيت، من عائلته، وليس من المقررات التعليمة فقط، اجعليه يردد هذه المعاني عبر سلوكه اليومي، في الشارع والمنزل والمدرسة والمستشفى والحديقة والمسجد، فهو مثلاً إن ساعد أحداً في الطريق، فهذا من أجل رضا الله، وحب الوطن.
الوطن في المسؤولية والمشاركة: علّميه مفهوم الوطن في حب المسؤولية والبذل والعطاء والتضحية سواء بالدفاع عنه، أو بالتفوق الدراسي ليكون مبتكراً يعود بالمنفعة لوطنه، أو باستثمار طاقاته المالية للمساهمة في رفع اقتصاده، أو ليكون تربوياً ناجحاً يزرع الحب والنجاح والانضباط في الأجيال القادمة، أو بالكثير من الأمور العملية التي تربطه بالوطن. من خلال العمل الجاد، يداً بيد من أبناء جيله.
الوطن هو احترام الآخرين: يبدأ هذا الإحساس من احترام أولي الأمر والمسؤولين عن تطور هذا الوطن، لكن بشكل عملي، وذلك بأن يكون شخصاً صالحاً، ويشارك في شؤون المجتمع والمدرسة ويقبل المسؤولية التي يُكلّف بها، ويهتم بشؤون الآخرين، ويلتزم بالسلوك الحميد والأخلاق الجيدة، وتكون لديه القدرة على مناقشة الأفكار والآراء، كل ذلك لا يتحقق إلا من خلال احترام الآخرين، حتى لو كانوا خارج حدود الوطن مهما كانت معتقداتهم وعاداتهم.
حب الوطن انتماء فريد وإحساس راق وتضحية شريفة ووفاء كريم، فهو ليس مجرد لباس أو لهجة أو جنسية أو قانون أو أصباغ على الوجه، إنه أسمى من ذلك جميعاً، إنه حب سام، ويمكن غرس معانيه في نفوس أبنائنا من خلال:
- ربط أبناء الوطن بدينهم، وتنشئتهم على التمسك بالقيم الإسلامية، والربط بينها وبين هويتهم الوطنية، وتوعيتهم بالمخزون الإسلامي في ثقافة الوطن باعتباره مكوناً أساسياً له.
- تأصيل حب الوطن والانتماء له، في نفوسهم في وقت مبكر، وذلك بتعزيز الشعور بشرف الانتماء إلى الوطن، والعمل من أجل رقيه وتقدمه، وإعداد النفس للعمل من أجل خدمته ودفع الضرر عنه، والحفاظ على مكتسباته.
- تعميق مفهوم السمع والطاعة لولاة الأمر في نفوسهم، انطلاقاً من حث القرآن الكريم على ذلك.
- تعزيز الثقافة الوطنية بنقل المفاهيم الوطنية لهم، وبث الوعي بتاريخ وطنهم وإنجازاته، وتثقيفهم بالأهمية الجغرافية والاقتصادية للوطن.
- تعويدهم على احترام الأنظمة التي تنظم شؤون الوطن وتحافظ على حقوق المواطنين وتسيير شؤونهم، وتنشئهم على حب التقيد بالنظام والعمل به.
- تهذيب سلوكهم وأخلاقهم، وتربيتهم على حب الآخرين.
- تعويدهم على حب العمل المشترك، وحب الإنفاق على المحتاجين، وحب التفاهم والتعاون والتكافل والألفة.
- نشر حب المناسبات الوطنية الهادفة والمشاركة فيها والتفاعل معها.
اضافةتعليق
التعليقات