النفس الانسانية إن تعِبت وهزُلت كان سقوطها سريعاً، أسرع من أي شي يهوي سريعا على الأرض، هكذا فجأة تراها تُكسر أمامك.
النفس ُمثلها مثل الجسد بحاجة إلى عنايةٍ ونظافة وترتيب، بحاجة إلى مراقبة وإلى مقدار كافٍ من الهدوء والطمأنينة.
دعوني أُخبركم بقصةِ وحش السرداب وعلاقته بالنفس وإهمالها وعدم مراقبتها:
لنتخيل لو أنّ لنا في أنفسنا جميعاً سرداب ويقبع داخل هذا السرداب أحداً ما، ولنتخيل أنفسنا في هذا السرداب، فلو تركنا هذا السرداب حيناً من الزمن، تاركين هذه النفس دونما أكل أو شرب، دونما نظافة وتهذيب، دونما عناية، ثم عدنا، تُرى ماذا سنجد في ذلك السرداب؟
الحقيقة سنجد وحشاً متسخاً أشعث الشعر والملامح، طويل الأظافر، مخيفاً، جائعاً، غير مكترث، نهماً، متوحشاً ومؤذيا، ولربما خائف أيضا!.
هذه النفس التي تسكن السرداب تحولت لوحش، لطالما أعجبتني أن تتشبه النفس هنا بالوحش، تُركت فباتت وحشا كاسرًا!.
فبتركنا أنفسنا لكل تداعياتِ العصرِ، وفوضى الحياة وازدحام الأيام، ربما ننفصل عن أنفسنا ونتركها تهيمُ بعالمٍ ونهيم نحن بعالمٍ آخر، لنسقط في شباكِ القلقِ والتوتر، لتزداد وساس الشيطان وقهره، لنقع فريسة الأمراض النفسية وما يرتبط بها من آثار على النفسِ والجسد.
فالقلق والتوتر هو ارتباط النفس بفكرة معينة، فكرة متعبة أوصلتها لهذا الحد من الإعياء والتعب.
فكلما غاب عنا مراقبة أفكارنا وسمحنا لأي شيٍ بالتسللِ إليها ولم نقم بفلترته، سيكون لتلك الأفكار تأثيرها التراكمي وبالتالي يحدث ماهو متوقع، نقع في شُباك الاضطرابات النفسية والتي باتت متوغلة كثيرا في يومنا هذا.
لنأخذ القلق مثالاً على تلك الاضرابات المنتشرة حاليا، إنني أُشبهها بالآفة التي تأكلنا من الداخل كما يأكل الصدأ الحديد، إن لم نتدارك أنفسنا ونحميها منه.
فالقلق: اضطراب نفسي يحدث أن يكونَ الفرد متحذراً من حدوث الأسوء دائما، إنه لشعورٍ مؤذٍ يحدث لتراكم أفكارٍ تجّمعت لديه منعته من التفكير بموضوعية وواقعية تجاه أي أمر يواجهه، ربما تجّذرت تلك الأفكار من ماضٍ قاس أو طفولة ناقصة، أو لربما من يأسٍ من مستقبل لم يولد بعد.
فترى الفرد منا قلقاً من صوتِ هاتفه إن رن بجانبه خَشيه أن أمراً ما قد حدث، تراه قلقاً من الذهاب إلى عملهِ خَشيه أن يحدث ما يقلقه أكثر، يتجنب مواجهة الناس أحياناً خوفاً من التقييم فعادة ما يكون الشخص القلق، قلقا من نظرة الناس، بل أحيانا يرى نفسه بعين الآخرين، إنه يحكم عليها مثلما يرونه هم، الشخص القلق ينتظر ما هو أسوء دائما، إنه كالسجين، سجين أفكاره التي تخبره بالأسوء دوما.
إن للقلق تأثير على صحة الإنسان الجسدية وأعضائه الحيوية، فنراه يشكو صداعاً مستمراً، وتشتت وعدم تركيز، تسارع في ضربات القلب، تعّرق، سرعة التنفس، إضطرابات النوم، فقدان الشهية، اضطرابات المعدة والأمعاء، فقدان الشغف بالأمور، التعب والإرهاق المزمن والكثير من الأعراض التي تتراكم وتؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه من أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم وداء الشقيقة والكثير من الأمراض المزمنة.
هذه الأعراض والأمراض وليدة تلك الفكرة التي بناها في عقله والتي لطالما تمّسك بها، تلك الفكرة التي أخبرته دوماً أنه في خطر، وإن هنالك ما هو أسوء ممكن أن يحدث في أي لحظة.
وتوجد عدة أنواع من اضطرابات القلق:
*رُهاب المَيادين وهو نوع من اضطرابات القلق التي يشعر فيها الفرد بالخوف ويتجنب التواجُد في أماكن أو مواقف معينة.
* اضطراب الهلَع نَوباتٍ مُتكرِّرة من الشعور المُفاجئ بالقلَق والخوف الشديدَين أو الذُّعر الذي يصِل ذُروتَه في غضون دقائق (نوبات الهلع)، يشعر فيها الفرد بهلاكٍ مُحدِق أو ضِيقٍ في النفُّس أو ألَمٍ في الصَّدر أو سُرعةٍ أو رفرفة أو خَفَقان القلب (الخَفَقان). ربَّما تؤدِّي نوبات الهلَع هذه إلى وجود القلق بشأن حدوث هذه الأمور مرَّةً أخرى أو تجنُّب المواقف التي حدثتْ فيها.
* اضطراب القلق الاجتِماعي (الرُّهاب الاجتماعي) ويشمَل مستوياتٍ عاليةً من القلق والخوف وتجنُّب المواقف الاجتماعية بسبب الشعور بالإحراج والوَعي الذَّاتي والقلق من أن يُصدِر الآخرون حُكمًا عليهم أو ينظروا إليهم بشكلٍ سَلبي.
* اضطراب القلق العام، القلق المُستمرِّ والمُفرِط والقلق من الأنشطة أو الأحداث وحتى المشكلات العادية والرُّوتينية. ومن الصَّعب السَّيطرة على القلق غير المُتناسِب مع الموقِف الفِعلي ويؤثِّر على كيفية شعورالفرد جسديًّا. وكثيرًا ما يحدُث ذلك بالتزامُن مع الاكتئاب أو اضطرابات القلق الأخرى.
وهناك الكثير من الأنواع الأخرى ولها أيضا صفاتها وخصائصها المميزة لها.
وتتدرج من الحالات الخفيفة والتي ممكن أن نكون عرضة لها جميعا كنتيجة لتعبٍ أو ضعفٍ طارئ إلى حالات شديدة الأهمية تستدعي تدخلا طبيا عاجلا.
فالعلاج النفسي شأنه شأن العلاج الجسدي له دور كبير في تحسين نوعية حياة الفرد وتوجيه أفكاره إلى المسار الصحيح، فاليوم هناك الكثير من تقنيات الطب النفسي متوفرة والتي من شأنها مساعدة من هم بحاجةٍ إلى تعديل أفكارهم وبنيانها بالصورة الصحيحة.
إحدى هذه التقنيات تسمى بالعلاج السلوكي المعرفي والتي توجه أفكار الفرد وتبحث في سلوكه تجاه مواقف معينة.
فالحل يكمن في التخلي عن تلك الفكرة الملحة بعدم الأمان وإن الأسوء هو الذي يحدث، يكمن في أن هذا الفرد يجب أن يهدأ، بحاجة أن يتأمل، بحاجة أن يُحصي نِعم يومه ويُرتب أولوياته، أن يَتقّبل فكرة الفشل أحيانا والتأخر أحيانا أخرى، فنحن كلنا غيرُ معصومين من الخطأ..
نحن وكل من يقلق بإفراط بحاجة إلى هذه الآية المباركة (اليسَ اللهُ بكافٍ عبده)، إنه معنا يرانا ويرعانا ويسمعنا، يرحمنا حيثما كنا، فلم هذا القلق والخوف؟
نحن بحاجة إلى أن تنمو هذه الآية وتزدهر فينا، حتى ننهض من ركام القلق والخوف، نحن بحاجة إلى التقّبل، إلى الحب، إلى القرآن، إلى كل ما يجدد الأمل فينا..
نحن بحاجة أن نعانق تلك الفراشات التي تحمل كل الأمنيات في قلوبنا لأنها تحمل الأمل..
أغلق الأبواب على الماضي والمستقبل وعش في حدود يومك، هكذا يقول الكاتب ديل كارنجي في كتابه (دع القلق وابدء الحياة).
اضافةتعليق
التعليقات