في سفر الأمثال، على لسان نبي الله سليمان - عليه السلام فما الضرر من جلوس الجاهل أو الأحمق مع الحكماء إذا كان ساكنا، بل إن كثرة جلوسه مع الحكماء مع سكوته قد يخرجه من دائرة الجهل؛ لأنه يستمع وينعم ويزداد خبرة وحكمة..
بمراقبة أحوال الكثيرين من ذوي النظرة المحدودة والطول المسدودة، على الرغم من تمتع بعضهم بخبرة عريضة في الحياة بحكم السن أو لطبيعة العمل، ستلاحظ وجود سمة مشتركة في أغلب هؤلاء الناس، ستجد أنهم يتكلمون أكثر مما يستمعون..
ستجد الواحد منهم له رأي شديد ومتعب في كل موضوع يفتح أمامه، وستجده أيضا يقتل عادة من أهمية أي موضوع جديد عليه، فكيف يكون أي موضوع مهما إذا كان هو شخصيا لن يلقي فيه بدلو أو حتى بكوب صغير، حتى ولو كان الأمر متعلقا بحال الأمة أو بثورة تكنولوجية قائمة، أو بمتغير في الاقتصاد العالمي سيكون له تأثير مباشر على حياته اليومية، لا يهم، المهم أن يتكلم هو الآخر في الجلسة، لآخر العمر، لآخر نفس، حاملا شعار "أنا أتكلم، إذن أنا موجود".. والمشكلة أنه لا يعلم أن هذا الشعار قد يتبدل من وجهة نظر المجتمع من حوله إلى: "هو يتكلم، إذن أنا غير موجود"!!
الجميع مع الوقت سيكتشف المشكلة في الحوار مع هذا الشخص، وتتساقط الجفون للنعاس، وتهرب العقول إلى أي مكان آخر حفاظاً على الوقت وعلى سلامة الفكر، بينما هو لا يزال يتكلم حتى آخر نفس، حتى آخر جندي، من المستمعين.
هناك نوعان من الصمت: إيجابي، وسلبي! والصمت الإيجابي هو المطلوب، وهوذلك الصمت الذي يعطى الفرصة لصاحبه للاستماع إلى المتكلم، أو هو ذلك الصمت الذي يدعو إلى التفكير والتأمل واكتساب الخبرات..
ولكن في المقابل نجد الصمت السلبي، والذي يكون غالبا ناتج عن قلة ثقة بالنفس، فلا يتحدث الشخص خوفا من الهجوم عليه، أو يكون صمته حماية لنفسه حتى لا يقول شيئا غير مقبول من الطرف الآخر فيسخروا منه.. هذا النوع من الصمت (السلبي) ضرره أكثر من فائدته.
وعن الامام علي (عليه السلام): "إذا جالست الجهال فأنصت لهم وإذا جالست العلماء فأنصت لهم فإن في إنصاتك للجهال زيادة في الحلم وفي إنصاتك للعلماء زيادة في العلم".
وفي الأدب العربي يحكى عن نجيب محفوظ "أنه كان يمارس أحيانا نوعا خاصا من الصمت السلبي، فكان - إذا لم يعجبه كلام المتكلم أغلق سماعة الأذن الخاصة به، وكان في ذلك الوقت لا يسمع إلا بهذه السماعة، إذن فقد تظاهر بالاستماع على الرغم من عدم سماعه لأي كلمة مما تقال، الأستاذ قطع الاتصال مع المتكلم وهو جالس أمامه، ولكن هذا قد يكون مقبول من رجل كنجيب محفوظ بخبرته العريضة وثقافتة الواسعة، وصبره المحدود لعمره الكبير وأمراضه الكثيرة، ولكنه غير مقبول من الذين هم في مقتبل العمر، والمفترض أنهم في مرحلة تكوين الخبرة وتنمية الثقافة!!
في اليونان يقال، اسمع، اسمع بقدر المستطاع، واعلم أن المستمع الجيد يحصل على قلوب الناس بشكل أعمق، وإن لم يكن بشكل أسرع، وذلك لأن كل إنسان يحب الحديث عن نفسه ومشاكله ونجاحه وأولاده، ولكنه غالبا لا يجد المستمع الجيد، والمقصود بالمستمع الجيد هو ذلك المستمع الذي يظهر الاهتمام بحديث الغير، فهناك من يسمتع وهو يفكر في شيء آخر..
أحيانا ألعب مع نفسي لعبة ، عندما أجد من أمامي يهز رأسه بمعنى الموافقة وأنا أتحدث، ولكني أرى في عينيه أنه يفكر في شيء آخر ويتظاهر فقط بالاستماع، فأقول له في وسط حديثي كلمة.
ويكون حديثي أصلا ليس له علاقة من قريب أو بعيد، ولكني أراه يستمر في هز دماغه وكأني لم أقل كلمة ليس لها علاقه بالموضوع، طبقا عندها أبدأ بتغيير الموضوع، لأني شعرت بأنه غير مهتم به، ولكن المشكلة هنا أني أكون الحارس على سلامة الحوار مع هذا الشخص، إذن فحديثي مع هذا السرحان لا يريحني، ولكن يضيف علي عبء اختيار الموضوعات التي تجلب انتباهه، وطبقا إذا كان عندي مشكلة، وكنت محتاجا لمن أفتح قلبي معه، سيكون هذا لشخص هو آخر إنسان فكر فيه، لأني في هذا الوقت أكون محتاجا لمن يستمع لي، وليس لمن يهز لي رأسه.. فلا تكن يا صديقي هذا الشخص "الهزاز "!!
و"لكن احرص على احترام حديث الغير، وحتى إذا كان غير مفيد لك بشكل مباشر، وإذا شعرت بالملل حاول أن تغير مجرى الحديث بذكاء، لو حتى استاذن في الانصراف قبل أن تدخل في مرحلة الهزال أو عدم الانتباه ".
اضافةتعليق
التعليقات