قُدر لي أن ألتقي خمس شابات مليئات بالحياة، والأصالة الشخصية، وعذوبة الروح، وقد مر وقت طويل للغاية على لقائي بمثل هذا الجمال الذي عنده أقف وبه لبي يسلب، الجمال الداخلي لروح الشباب المتقدة، المتحمسة، والصادقة.
سألتهن إلى أي كلية ينتمين، فأخبرنني إنهن ينتمين إلى كلية الزراعة، إنهن مهندسات زراعيات على وشك التخرج، لفتني ذلك لذا حاورتهن لأتعرف على تلك العوالم التي لم أقترب منها سابقاً، ولا ننتبه لها عادةً، ونحتاجها في عراقنا الذي كان أخضراً كثيراً.
لم يكن ذلك الحوار بالعسير، فزينب ذات الروح المعنوية العالية تصدت لذلك الحوار بفصاحة قل نظيرها في شباب اليوم.
عرفتني زينب على أقسام كلية الزراعة الخمسة في جامعة كربلاء من وقاية النبات، والبستنة وهندسة الحدائق، والمحاصيل الحقلية، والإنتاج الحيواني، وعلوم الأغذية القسم الأحدث بين أقسام الكلية والذي له تفضيل في التعيين الحكومي.
وعلى الرغم من أن زينب لم تلتحق بكلية الزراعة عن رغبة إلا أن أساتذتها الداعمين وطبيعة الدراسة ومواضيعها كانت مسلية بالنسبة لها، غير تقليدية، ومفيدة مما جعلها واقعة في حب ما تدرسه وتشعر بكثير من الألم عندما لا يقدر الطلاب الآخرون هذا التخصص، أو ينظر لهم الناس بقلة تقدير نابع عن جهل تام بحقيقة طبيعة وأهمية ما تدرسه.
وتجد زينب أن هذا التخصص مهم للعراق في المرحلة الحالية لمواجهة التصحر والتغير المناخي عبر إعادة المساحات الخضراء بطرق علمية مدروسة، وتجد أن كليات الزراعة بأقسامها المختلفة عبر ما تنتجه في مختبراتها ومشاريع تخرج طلبتها قادرة على المساهمة بتحسين البيئات فيما لو حصل تعاون بينها وبين الحكومات المحلية، كما أن الفرص موجودة للدارسين في هذا التخصص ليس كما يشاع عنه، فليس التعيين هو الحل الوحيد، والدارس لهذه الكلية بإمكانه إنشاء عمله الحر وزيادة دخله مع زيادة الاهتمام باقتناء النباتات وإنشاء الحدائق لدى العامة، أو بإمكانه ببساطة استخدام علمه لخفض تكلفة تزيين منزله عبر استخدام ما تعلمه من علوم مختلفة.
وبالنسبة لزينب ليست الحياة الجامعية مقتصرة على الدراسة، بل أنها تجد أن على الطالب المشاركة في الحياة العملية كفرد فعال بكل تلك الطاقات التي يمتلكها والأفكار التي لا حدود لها، لذا ساهمت بتفعيل الأنشطة الثقافية المختلفة في قسمها، وقادت مبادرات لمساعدة المحتاجين ومرضى السرطان، وشاركت في حملة تشجير، وكانت صاحبة فكرة تبرع الطلاب بموادهم العلمية المطبوعة لزملائهم الأصغر.
وذكرت بشيء من العطف ما قاله أستاذها لهم في قاعات الدراسة "الإنسان عندما يتألم يعبر عن ألمه بالكلمات، والحيوان يأن، بينما النبات يتألم بصمت".
وعلى مدى نصف ساعة أو ما يزيد من حوارنا كانت زينب تتوهج وهجاً ساطعاً رغم ما تمر به من صعاب، وكانت عيناها تشعان بالحياة عندما تتكلم عن دراستها التي تحب، ورغبتها في خلق تغيير في مجتمعها، وكان بإمكانها أن تتكلم إلى الأبد دون أن تشعر بتعب ودون أن يشعر السامع بملل لما لشغفها من توقد استثنائي.
وأدركتُ بعد ذلك الحوار كم أننا بحاجة إلى إيلاء عناية أكبر بزراعة النبات وتشجيع أولئك الذين يختصون بدراسة علومه، فالنبات يبهج النفس، ويغذي الجسد ويعالجه من علاته، وهو ظل الظمآن في يوم حارق، وهو ما تُقَوَّم به البلدان، وأساس كل حياة، وعلينا منح الطالب فرصة لاستكشاف كل التخصصات بموضوعية أكبر ودون ضغط اجتماعي ليصل إلى الرضا عن مسارات حياته، وتمكينه تمكيناً كاملاً ليتمكن من المساهمة في مجتمعه، فهو يريد، وهو يستطيع لكنه يفتقر إلى الأدوات.
اضافةتعليق
التعليقات