إذا كنت تريد السعادة، فلا بد أن تقتنع بما يتوفر لديك منها؛ لأن السعادة المطلقة لا وجود لها إلا في خيال الشعراء. ومن يبحث عن السعادة المطلقة، وفي كل وقت فسوف يجني شقاءً دائماً.
يقول أحد الحكماء:
(إن الإنسان الذي يظن أنه يستطيع أن يكون سعيداً طوال حياته ليس إلا مجنوناً)، فنحن جميعاً نعرف أن الدليل الوحيد على تمتعنا بكامل قوانا العقلية يكمن في قدرتنا على الشعور بالتعاسة، عندما نفاجأ بحدث يعكر صفو حياتنا، السعادة التي نشعر بها من بعد حزن، هي في صفاء النفوس من بعد خلاف، هي في الحب بعد العراك الذي ينشب بين الزوجين، هي في النجاح الذي نصل إليه من بعد فشل، هي في الأمل الذي يملأ صدورنا بعد أن نكون قد يئسنا من حياتنا وكل ما تحمله لنا الحياة هذه هي وهذه فلسفتها، إن الحياة الحقيقية هي الحياة دون أي مطلق، هي فلا وجود للمطلق في هذه الدنيا، فلا راحة مطلقة، ولا صحة مطلقة، ولا لذة مطلقة، والسعادة ليست استثناء من تلك.
صحيح أن الإنسان يتوق إلى المطلق، ويرغب في امتلاك كل ما يخطر على باله من أسباب السعادة، ولكن من الأفضل أن يستعيض عن البحث عن السعادة المطلقة، بالأمل المطلق فإن الأمل بيوم أفضل من يومك، وحياة أكرم من حياتك، ليس مجرد وقود للحركة والنشاط، بل هو أيضاً سبب رئيسي للسعادة.
يقول دوغلاس مالوك: (ينبغي لك أن تؤمن بالسعادة، وتأملها، وإلا فإن السعادة لن تأتيك أبداً إن العصفور لن تقل زقزقته، ومرحه، وفرحه عندما لا يعثر على غير كسرة، ينبغي لك أن تأمل هبوب الرياح، حتى وإن بدت ساكنة الآن، وأن تأمل نمو الأعشاب في أيام الثلج وهذا هو السبب الذي يدفع العصفور إلى أن يزقزق، ففي أحلك أيامه يأمل بالربيع، ويحلم بالأعشاب تحركها الرياح» وهكذا فإن السعادة أمل بالأفضل، وليس حصولاً لمطلق السعادة هي السعادة رحلة وليست محطة ليست السعادة محطة بحيث إذا وصلت إليها ستكون فيها سعيداً إلى الأبد بل السعادة رحلة! فليس هنالك وقت محدد، أو عمر محدد، أو مكان محدد، أو حتى سبب آخر ومن زمان لآخر. فلا تنتظرها في أهداف محددة، بل ارحل معها من مكان لمكان.
إن كل شيء مهما كان (صغيراً) إذا منحك الشعور بالسعادة فهو سبب (كبير) لها كذلك الأمر بالنسبة إلى المكان؛ فلرب غرفة صغيرة في بيت ريفي، السعادة أكثر مما يمنحك إياها قصر منيف على ضفاف البحر، تمنحك من تعلم من الأطفال، فهم يسعدون بأمور صغيرة نعتبرها نحن الكبار (تافهة)، ولكنهم يعتبرونها كبيرة بمقدار ما تمنحهم من الشعور بالسعادة.
فإن الطريق دائماً خير من المنزل، وهكذا الحركة خارج البيت خير من الجلوس فيه كما قال لي مسؤول كبير في إحدى الدول: «لقد اكتشفت بعد وصولي إلى السلطة، أن البقاء في مرحلة (المقدمات) كان خيراً لي من الوصول إلى (النتائج)».
إنك في مرحلة (المقدمات) تعيش الشوق، والرغبة، وتتطلع إلى البعيد، وهكذا تترحل مع السعادة، أما في مرحلة (النتائج) فأنت تفقد كل ذلك لأنك تصل إلى المحطة، فالشوق يتبدد، والرغبة تنتهي، والتطلع يخبو، لقد كنا في أيام الطفولة لا نمل السعي والحركة لتحقيق أهدافنا، وكنا نعتقد أننا إذا وصلنا إلى غاياتنا فسوف نجد كل الارتياح، ولكننا كنا نُصاب ببعض الخيبة بعد وصولنا، فكنا فوراً نبحث عن أهداف أخرى، ونبحث عن تحقيقها، ونعود من جديد إلى الحركة والنشاط. كنا نقفز من هدف إلى آخر، والسعادة التي كنا نشعر بها كانت في الرحلة.
للوصول إلى الأهداف، وليس في بلوغها، فكان كل هدف نصل إليه يشبه منزلاً صغيراً نرتاح فيه بشكل مؤقت لكي نواصل الرحلة منه إلى غيره فالمرء يجد كل المتعة أثناء الرحلة، لأنها تمثل الإبداع والحركة، والشوق.
وفرح الرسام باللوحات التي يرسمها ينتهي مع انتهاء الرسم، كذلك الأمر بالنسبة إلى المؤلف، والمخترع، والعالم، لقد كان أحد العلماء المسلمين كلما سهر الليل لحل مسألة من المسائل يصرخ في نهايته: (أين الملوك وأبناء الملوك من هذه اللذة).
إن السعادة ـ حسب تعبير أحدهم ـ مثل (الكرة) نجري خلفها حين تتدحرج، ونركلها بأقدامنا حينما تقف، فلا تكتمل السعادة لإنسان إلا إذا توفرت لها ثلاث أشياء:
(شيء يعمله، وشيء يحبه، وشيء يطمح إليه) ومع فقدانه لأي واحد منها يفقد السعادة.
إن السعادة تكمن في ما تبحث عنه، وليس في ما تحصل عليه، فهي تلك اللذة التي تريد الحصول عليها، أما التي نلتها وقضيت منها وطرك فقد انتهى أمرها، فالسعادة هي من الشوق نحو تحقيق ما تصبو إليه النفس، وأكثر مما هي في الحصول عليه.
اضافةتعليق
التعليقات