قال الإمام علي عليه السلام: "صدر العاقل صندوق سره. والبشاشة حبالة المودة، والاحتمال قبر العيوب والمسالمة خباء العيوب".
(صدر العاقل صندوق سره) يؤكد الإمام علي عليه السلام على أن من العقل والحكمة أن تكون أسرار الشخص مما يخصه ولايليق إما لسبب أخلاقي أو عقلائي إفشاءها أو التصريح بها للآخرين كأسرار بيته مع أهله وأولاده، أو حين يريد إنجاز أمر التصريح فيه يفوت عليه الفرص ويضيع عليه الأهداف، وكم شاهدنا كثيراً من الأشخاص ممن فتح صدره للآخرين وأفشى أسراره الخاصة والعائلية فاستغلها الآخرون لأذيته وابتزازه، ومن هنا نجد معظم الشركات تحتفظ بأسرار منتجاتها ولا تبوح بها خوفاً من سرقتها من قبل الشركات الأخرى التي تنافسها، وكذلك على مستوى الدول توضع عقوبة لكل من يفشي سراً من أسرار الدولة وتعتبره من الخيانة الكبرى.
وفي هذا المعنى يؤكد الإمام عليه السلام في قول آخر على أهمية كتمان الأسرار من أجل تحقيق الأهداف بقوله (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان).
(والبشاشة حبالة المودة) وهنا يؤكد الإمام علي عليه السلام على مهارة من مهارات التواصل وهي البشاشة والابتسامة في وجه من تلقاه وتتواصل معه، إذ تعتبر البشاشة والابتسامة أحد المهارات المهمة التي تترك انطباعاً أولياً في نفس الآخرين، لأن الابتسامة تقول للآخر دون لفظ أنا أحترمك وأقدرك وارتاح إليك وسعيداً برؤيتك، فيستقبلها الطرف الآخر بكل ارتياح نفسي فيبادلك بنفس الابتسامة والبشاشة ومن ثم يبدأ الحديث والتواصل بكل محبة واحترام. على العكس من ذلك لو قابلت شخصاً مكفهر الوجه وعابس الوجنات كيف تتوقع أن تكون ردة فعله اتجاهك، بالتأكيد سيبادلك نفس الجفاف وعدم الرغبة في التواصل معك حتى قبل أن تتكلم. إن البشاشة والابتسامة الصادقة تفعل مفعولاً سحرياً على المتلقي وتجعله يرغب في التواصل معك بكل محبة وثقة بل وخدمتك وقضاء حاجتك من دون أن تطلب منه، والابتسامة لاتكلف شيئاً منك ولا تدفع مالاً من أجلها ولاتبذل جهداً كبيراً لفعلها، وقد أكدت كثير من الروايات على أهمية البشاشة والتبسم وفي هذا يقول الإمام علي عليه السلام "المؤمن هش بش، كيس فطن" ويقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم "التبسم في وجه أخيك المؤمن عبادة".
(والاحتمال قبر العيوب) يمكن فهم هذه العبارة ببعدين البعد الأول هو ما يخص الشخص الذي يتحمل ويصبر على مايصدر اتجاهه من إساءة من الآخرين وبذلك يخفي عيوبه الشخصية من ردات فعل أو غضب غير منضبطة، هذا ما قرأته من بعض التفسيرات التي تناولت هذه الفقرة مثل تفسير الشيخ محمد جواد مغنية في تفسيره لنهج البلاغة، لكن ما أميل إليه هو البعد الآخر في فهمي لهذه العبارة، وهي ان الصبر على أخطاء الآخرين وعدم مبادلتهم نفس الخطأ والإساءة من الممكن أن يسهم في قبر و"إطفاء" هذا العيب لديهم، على عكس إذا ما تم مواجهة الاستفزاز بالغضب وردة الفعل فإن الطرف الآخر سيستمر في استفزازه وإظهار عيبه.
هذه الاستراتيجية تستخدم في علم النفس التربوي لإطفاء أي سلوك سلبي غير مرغوب فيه من خلال الصبر عليه وتجاهله ومع مرور الزمن يؤدي ذلك لانطفاء السلوك السلبي عند الطرف الآخر لأنه لم يجد له أي معنى أو نتيجة قد توهمه بأنه يكسب شيئاً ما من هذا السلوك. ويستفاد من هذه الاستراتيجية في حال وجود سلوك خاطىء عند الأطفال فيمكن قبره وإطفاؤه عبر الصبر وعدم الاستجابة إليه أو القيام بردة فعل اتجاهه، ذلك أن التعاطي مع هذا السلوك يؤدي إلى تثبيته وإظهاره باستمرار لديهم لأنهم يرون تأثيره على والديهم، وربما يتخذونه كسلوك يحققون من ورائه حينما يرفض الوالدان الاستجابة لهم لتحقق رغباتهم.
اضافةتعليق
التعليقات