أقامت جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية جلسة نقدية إلكترونية حول المجموعة القصصية (نساء حول الشمس) بحضور الكاتبة والأستاذة تسنيم الحبيب من دولة الكويت، وبدأت الجلسة حول أهمية الكتابة وتسليط الضوء على قصص نساء أهل البيت (عليهم السلام) وتعتبر هذه الخطوة إنجازا عظيما يحمد عليه.
بدأت الحبيب قائلة: من أهم مباني القصة القصيرة هي عتبة القصة ألا وهي العنوان، والبداية ويفضل أن يكون بجملة أدبية فلابد من وجود جملة حركية، كما أساس القصة القصيرة من العنوان والحوار والحدث والشخصيات والزمان والمكان والعقدة والحل.
القصة الثانية (الإكسير) للكاتبة رقية تاج.
"كأرضٍ هامدة أحياها المطر، انفجرتْ الطينة ذاتِ المعدن الزهيد، اهتزَّتْ وربتْ وأنبتتْ أزاهيرَ من لجين أحسّتْ بدموع الامتنان تهمي على وجنتيها السمراوين، فضلت الكاتبة أن تبدأ بجملة أدبية مع تحفظ الأسلوب في الكتابة القصصية، الكاتبة أدخلت تشبيهات مثل الأرض والفضة.
"ستكون تجربة فريدة تفوق ما مررتُ به طوال حياتي، بمرح طفولي حَدَّثتْ نفسها بذلك وهي تحزم أمتعتها وتتجه إلى مكان عملها الجديد" من هذه المقدمة نستطيع أن نفهم أن الكاتبة ربما تتحدث عن جو معاصر .
"حالما وطأت عتبة ذلك البيت ورأت سيدته، حتى سرت شرارة كهربائية في قدميها وتصاعدت حتى استقرت في قلبها الذي اضطربت نبضاته، وخزتها هيبة تلك المرأة كوخز الإبر، إنها ذاتُ هيبة ومشية أبيها، سيد القوم الذي كانت تخدم عنده، صحيح أنها كانت تراها سابقاً في لقاءات متفرقة وسريعة، لكن الأمر مختلف الآن، فستكون بالقرب منها أكثر وستتعرف عليها أكثر" .
هناك نصائح صغيرة جدا، النص جميل جدا وطغى عليه جمال اللغة لكن هناك قارئ له رؤية أخرى، إذا كان النص معاصر نقول الشرارة كهربائية النص هنا غير معاصر فالتشبيه قد يكون غير ملائم للوقت ذاته من حيث تواجده العصري.
"لقد أتتها فرصة الإجابة عن علامات استفهام وتعجّب لطالما تحركت كخيول مجنونة في مضمار عقلها الضيق"، تشبيه رائع، تشبيه متلائم للحدث والعصر، "ستنطلق الفرس إلى سهول فسيحة، ستكتشف المزيد من الأسرار التي شغلت بالها، وأخيراً، سوف تدنو أكثر إلى هدفها، بلا شك إنهم يملكون ذلك الإرث، الحجر الأسطوري، الشراب الخالد، ستصل إلى غايتها ومرامها الاكسير"!.
هنا الكاتبة من حيث أنها استطاعت أن تملأ النص بالدهشة والغموض بحيث يتساءل القارئ ما هو الإكسير؟
"عندما أتمّت واجباتها المنزلية، توجهت نحو شغفها القديم، كخباز ماهر يحرك العجين بين راحتيه ويحيله خبزاً، التقطت قطعة من النحاس وألانتها بلطف، بعد خبرة وباع طويل في هذا العلم استطاعت أن تصنع منها سمكة جميلة، ألقت عليها الدواء وصبغتها ذهباً، في هذه الأثناء جاء سيد الدار، كصائم رأى بأمِّ عينه هلال العيد، رأته يتجه إليها، طيور غرّدت فرحة في عش قلبها الصغير، لقد أحبته حباً جّما، تعجبت كيف لكائن أن يرى هذا التجلّي ولا يتعلق به، باحترام، وضعت السمكة بين يديه".
تشابيه جميلة جدا وصف مناسب لهذه الحقبة الزمنية.
"تبسم ضاحكا وقال:
- أحسنتِ، لكن لو أذنبت الجسد لكان الصبغ أعلى والقيمة أغلى.
تعجبت وتضرج وجهها خجلاً:
- يا سيدي، أتعرف هذا العلم؟
فقال:
- نعم، وهذا الطفل يعرفه. أشار نحو ابنه البكر الذي جاء مهرولاً إلى أبيه.
كانت لا تزال غارقة في بحر من الذهول عندما أيقظها من سرحانها العميق وليزيد دهشتها أكثر أضاف:
- نحن نعرف أعظم من هذا. ثم أومأ بيده، وإذا عنق من ذهب وكنوز سائرة. ناولها القطعة:
- ضعيها مع أخواتها.
لم يكن ذلك سحراً، لقد رأت ما حدث بوضوح، شيء ما ينمو في داخلها، ها هي ذي بعض من تلك الأسرار تنكشف، سُحُب الغموض تنقشع عن شمس المعرفة، "ظنّي في محله، بلا شك إنّهمَ جميعاً يملكون ما أبحث عنه"، أردفت بحماس ويقين مؤكد: "وأعظم"..
"يبدو أنني سأشهد الكثير من العجائب الأخرى في هذا المكان". دار ذلك في خلدها، أجابتْ على تلك الحقيقة بشرط، - عليَّ أن أشاركهم بعضاً من عاداتهم - ، أتاها صوت غامض ومخيف، (لن تستطيعي)، جفلتْ منه، صحيح، فقدراتها لا ترقى لقدراتهم، استردت توازنها، تذكرت أنها ولطالما رفضت أن تعيش حياة عادية مثل حياة الكثيرين من قومها، كلبوة شجاعة قررت أن تشاطر أهل ذلك البيت في تجربة قاسية لكنها ستطوي لها مسافات كبيرة نحو اكسيرها المنشود..
كعود يشتعل؛ يزيده الإحراق طيبا، أحست بكيانها يذوب، الجسد يتضاءل والروح تحلق مع أربعة أقمار، الجسد يكتوي أكثر بنار الجوع والعطش، والروح لا تضعف، تتأخر عن سربهم، لكنها متأكدة أنها وراءَهم، لا تزال ترفرف بجناحين منهكين"..
هنا الكاتبة وظفت تأثير النص وتحويله إلى قصص حركية بعدما كان السرد نفسي، مثل الراوي العليم والقريب من الحدث ومقنع جدا في القصة، حيث أظهرت في القصة صوتان لشخصية واحدة، صراع بين الشخصية، ضمنت في هذه الفقرة هذا النوع، وفي اللاوعي يملك انتماء النص وحدة عضوية للنص مع الحدث متناسق بتشبيه، هذه الكاتبة اختارت العنوان مع التشابيه التي تتصل بالإكسير.
"ألمّت بالطفلين حمّى شديدة، ونذرت العائلة صياما لثلاثة أيام إذا طابا، بحزم لا يلين أصرّت أن تكون خامستهم، وفد المسكين واليتيم والأسير على أهل الكرم ضيوفاً، لم يتبقَ من عصيدة الإفطار إلا فتات، الإنهاك لا يبرح ينهش في جسدها الضئيل". صور شعرية رائعة.
كان الأمر أشبه بأرجوحة، تمر الهوينى على آيات البشرى التي نزلت على تلك الأنوار في ذلك اليوم، كأن طنين سرب من النحل يمنعها من سماع كل ما نزل حينها، وكأن بعضا منها يتناهى إليها: "هل أتى على الإنسان"، ترمش عيناها بتعب، "نبتليه"، تتأرجح ببطء أكثر، تتقطع الكلمات، ترنو لتلك الوجوه، "إنَّ الأبرار"، تبتسم بوهن "يوفون بالنذر"، تكاد تقع مغشياً عليها، تتمسك بالحبل أكثر، "قوارير من فضة"، تجهش في بكاء لذيذ، ها هي ذي فضة تغوص مع الدرر في نهر الكوثر".
فقرة رائعة وجميلة جدا من خلال دمج الآية مع حركة في صنع حوار داخلي ثم القيمة وأحالت القارئ إلى الحالة النفسية مثال يقول (أرني الحزن في النص ولا تقل لي حزين)..
"انطلقت الفرس إلى سهول فسيحة، كسجين تحرر من قضبان حبسه، ولجت فضة إلى هذا العالم الجديد، لقد نسيت ماضيها المظلم، غربتها عن بلادها، لقد فتحت لها تلك السيدة باباً يودي إلى وطن رحب، وطن جميل، يضم ألواناً شتى، يستريح فيه المتعبون من الدنيا تحت ظلال أشجاره الوارفة، لقد رأت كل هذا الجمال بفضلها، بعد أن لازمتها فتأثرت بكل العلوم التي حوتها تلك النفس العظيمة.. لم تعاملها كخادمة قط، لقد كانت تساعدها وتعلّمها وترعاها بل تربيها كطفلة..
اتسعَ قلب فضة، امتدَّ فكرها، سمتْ روحها، أجل: لقد كانت مولاتها أحنّ عليها من والدتها، حتى باتت تناديها في سرّها بـ أمّاه"..
الكاتبة هنا بدأت تدخل في الحدث الجوهري. "تتذكر كيف لم تنم ليلتها عندما دعا لها سيدها، بات كحرز يحميها من الخوف، ويقوّيها وقت الشدائد، "اللهم بارك لنا في فضتنا"، نشوة ذكر اسمها - من قبل تلك النفوس-، تزيد من عزيمتها في البقاء معهم أكثر...
همسات سيدتها في أجواف الليالي تعيد إلى ذاكرتها هدفها من مجيئها لهذا البيت، "إلهي أنت المنى وفوق المنى"، كم هو جميل ذلك الرب، أرادت فضة أن تسير نحو التكامل، أن تعرف الله حق المعرفة لتعبده كالأحرار لا كالتجار والعبيد، أن تؤدي رسالتها التي خلقت من أجلها، أن ترى ذلك الإله الذي تلهج سيدتها دوما بذكره، أن تشعر بفيضه..".
تستمر الكاتبة في السرد الداخلي ونقل التفاصيل عن طريق راوي عليم فالأحداث تأتي حتى تصل إلى عمق الحدث والتحولات الكبرى في النص حيث تحولت فضة إلى صراع وأحداث كبرى.
"كانت فضة داخل خيمة، شاحبة وشفتاها ترتعشان من العطش، أحست بركبتيها واهنتين وغير قادرتين على حملها، أحدهم يتقدم ليسأل عن حالها، وجه جميل كالقمر، بيديه لواء، يخبرها بأن الإمام أمره بتفقدها والاطمئنان عليها، تردد: "إلى أي شرف وصلتِ يا فضة"، تحاول أن تخرج من الخيمة، يعود إليها ذلك الصوت المخيف، "لا تنظري، لقد حذرتك، اقفلي راجعة كما لو أنكِ لم تأتِ إلى هنا"، كذبابة أبعدتها عن وجهها، تجاهلت ذلك الصوت، بات الأمر بالتعامل معه أسهل، سمعتْ صراخ أطفال، خرجت، تفحصت وجوه بعض الفرسان، ترى أحدهم، تشعر بشيء غريب نحوه، كأنه يبحث عن الإكسير مثلها، عن خلود يتحدى الموت، لقد ارتشف من كأس تناوب أولئك الفرسان شُربَهُ، لقد وجد حجر الفلاسفة الذي يحوِّل ما يلامسه إلى ذهب وفضة، اختبر التحوّل الذي عايشته، هي من طين لفضة، وهو من فحم إلى ألماس، هي بأيام أو سنوات وهو بلحظات، تتساءل دهشة: "من هذا"؟، يجيبها القدر: "إنه الحر"..
" لا يجيبها القدر هذه المرة، يستمر بالدوران بها نحو طرق ستكتب أحجارها اسمها من المارّين عليها، وصلت لمدينة، يتبدل قيظ الحر بنسائم باردة تداعب وجهها، إنها في أرض تسمى الشام، تسير في مكان غريب وموحش، زلَّتْ قدمها بعد أن تعثرت بحجر، أطرقت وأمعنت النظر إليه، إنه شاهدة قبر نقش عليها: هذا قبر فضة خادمة فاطمة.. لقد وصلت إذن لآخر صفحة من كتاب حياتها، تقافز
الدموع في مقلتيها المحمرّتين، تذكرت دموعها الأولى عندما وقع عليها الاختيار لتكون خادمة لتلك السيدة الجليلة.. خطر لها خاطر مخيف عندما أحست ببرودة يديها، خاطبت نفسها: "إنه الفناء، ما كنت أهرب منه، يا ترى بعد كل هذا الجهد، ألم أحصل على الإكسير؟!..
برمشة عين أخرى، يعود القدر بها سريعاً إلى الوراء، الصفحات تتراجع، الزمن يعود إلى ذلك المفترق، لا يزال الكون يستند عليها، لكن بات أخف، كأن بعض أفلاكه تكسَّرت، ها هي مرة أخرى بجانب مولاتها، إنها تجود بنفسها وتلفظ أنفاسها الأخيرة"..
كان هناك انتقال سريع بين أحداث النص أو ممكن استبداله في اضافة التفاصيل حول القتل والشخصيات واعلان الأسماء بعيدة عن الرمزية.
"علمت أنَّ هناك نسوة سيلتحقن براياته، تتقاطع دروبهن مع مسيرة حياتها، وتتشابه مخاضات ولادتهن، قرابة الخمسين امرأة، لم تتعرف عليهن لكن يبدو أنهنَّ يجتمعن معها بخلال، تكاد تجزم بأن كلهن ليصلن إلى تلك المرتبة، عليهن أن يبحثن عن الإكسير، الموجود في باطن كل رجل وامرأة، عليهن أن يصنعن ذلك الشراب، أو ينهلن من معينه، وقبل كل ذلك على كل واحدة منهن، أن تكون "خادمة مخلصة"، فنيل شرف خدمة الزهراء لا يزاحمه شرف، وأن تكون مطيعة وملازمة لمواليها، وبعد ذلك ستأتي كل الكمالات: الحب والمعرفة والبصيرة والصبر تباعاً، هذه إحدى الأسرار والطرق للالتحاق بتلك القافلة، لذلك أحست بأنها تمسك بأياديهنّ
قادت فضة مولاتها وهي محنية الظهر إلى غرفتها بعيداً عن أعين الصغار الباكية، وهي بهذه الحالة المفجعة لا تزال تلك الخادمة تجزم بأن فاطمة هي التي تمسك بيديها وتربط على قلبها وليس العكس، تمتمت بأسى وهي تنتحب: أمّاه.. لا تفلتي يدي.. لا تفلتي أياديهنّ".
لازالت الكاتبة تتحدث بلسان القدر، الوصف مؤلم عندما تتحدث عن السيدة الزهراء (عليها السلام) ونلاحظ استرجاع الكاتبة للأحداث وربطها في المستقبل، تأثير جميل جدا في النص، هذه الفقرة كانت تقريرية وهي قفلة القصة افصحت بصريح العبارة عن أمور انسانية تشخصية في النص، اضافة احداث وشخصيات حركية يكسر جمود التقرير في النص، فيه وحدة عضوية من موطن القصة ومن موطن الحدث، فالنص (رغم تعدد الأحداث) كان يسعى لفكرة واحدة (مركزة) وهي وصول الشخصية للتكامل (عبر الإكسير.
لذا فالنص (متين/ و ذو وحدة عضوية وتجانس وفق الله الكاتبة لما يحب ويرضى.
اضافةتعليق
التعليقات