حارت عيناي بعد ان نظرت الى تلك الدار المفحمة، وكيف اضرمت النار فيها، قطع الاخشاب اصبحت رمادا، ورائحة الدخان تفوح منها، المكان صاخب والناس يحملون الماء ويسرعون نحو الدار، لكني لا ارى لاهل الدار بقية.
اقتربت من الدار وضعت يدي على فمي حتى لا اختنق من الدخان، ابعدني ابي خوفاً من النار، نظرت لوهلة من حولي، هناك طفلة تلوذ بأبيها تسحبه بعيداً عن الدار، كان هذا البيت محترق بأثاثه، الظلام يحيط بعينيها، ابواب المحاجر مغلقة من الدخان المتصاعد، ثمة بقعة حمراء على جسدها، دون شعور مني ولا تفكير قادتني قدماي نحو هذه الطفلة.
توقفت حيثما كانت الطفلة واقفة، خلعت معطفي ودثرت جسدها المرتجف وثيابها المدخنة، أُقلبْ ناظري في محتويات البيت وكيف اكلت النار الاخضر واليابس، مرت الساعات ثقيلة جداً، مازلت انتظر، رنوت الى باب الدار ولهروب الطفلة من النار، تأملتها عن قرب حيث ادنيت ناظري نحو الدار، شعرت بالدمع الغزير يتدفق من مقلتي وبحرارة، ثم ما لبثت قليلاً حتى انعقد قلبي وكاد ان يسقط، هذا الامر الذي طوق ذاكرتي بحادثة سمعت عنها كثيراً، تفرع الحزن الى كل انحاء جسدي، طفلة تهرب من النار ولم تلمس النار ثيابها.
كيف بحال امرأة حبلى حرقوا دارها، وقفوا يشتمون اباها وبعلها؟ عندما خرجت هذه الطفلة سارع الناس لاطفاء النار ومساعدة اهل الدار، وهذه المرأة لم ينقذها احد من الاصحاب والاحباب، لم يخمدوا تلك النار، فكانت أحقادهم وخبائثهم تطغى، تجرأوا على باب بيتٍ كان يقبّله سيد الامة، تجاهلوا قدرها، حرقوا دارها، اسقطوا جنينها، سطروا خدها، والمسمار وما فعل في صدرها، اين القوم عنها، هل صرخت، لعلها لجأت لجدار البيت ليحميها من حرارة النار، ولتحمي جنينها من السقوط، فعصروها بين الباب والحائط، واسقطت بنت الهدى جنينها، ذاك المسمى محسنا، اين القوم منها؟ لم يرعوا حرمة الدار ومن فيها؟
سؤال طرحته وانا اعرف الاجابة جيداً، ان القوم خانوا العهد، وضيعوا الوصية، حتى رحلت مقهورة مغصوبة، تجرعت حسرتي بكل ما فيها من الألم والوجع، الآن عرفت كيف كان حال تلك الزهرة خلف الباب، وماذا شعرت عندما اوقدوا النار، ولم يرعوا لها حرمة و لا ذمّة.
أُخمدت النار في دار تلك الفتاة ورجعت الى حضن ابيها، وارتفعت اصوات الواقفين بالصلوات وحمدوا الله على سلامتهم.
متحيرة مذهولة لا اعرف اين اتجه، كان كل شيء على ما يرام ما عدا ذاكرتي، تشدني نحو تلك الفاجعة، ترفض ان اغمض عيني من دون ان اعرف ماذا حصل لسيدة وقفت تتستر بالحجاب، رجعوا الناس الى اماكن عملهم، ودخلت العائلة البيت بعدما حاولوا ان يرموا بالنفايات المحترقة خارج الدار، قررت عندها ان ابحث عن ما يدور في ذهني لأنقل حال امرأة ايضاً تعرضت للحرق ولم ينقذها احد، فما كان امامي غير اكوام الكتب، هي التي كشفت حقيقة الامر، اتجهت نحوها وعثرت على نص صريح لواقعة أليمة، فقد قال الشيخ الطوسي رضي الله عنه: أن عمر ضرب على بطنها حتى أسقطت، فسمّي السقط محسناً، وفي كتاب الملل والنحل (ج 1 ص 7) قال: إن عمر ضرب بطن فاطمة (عليها السلام) يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها؛ وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين.
اضافةتعليق
التعليقات