الغضب يشن هجوماً هذه المرة، دوِنَت عبارات الحماس، صرخ القوم: إننا لسنا دعاة حرب ولكن إن فرضت علينا سنجعلها مثل صلاة العصر لا وتر بعدها، بدأت الحرب، اعتلت لمدة أقصاها أربعة وعشرون ساعة على حسب وقت الناشر، همدت الحرب مر وقت العزاء، قلب أصم جر خلفه عين محجبة تحتضن لسانها المهندم وعاد الجميع متناسي بذاكرة ذبابة.
يهيئ لك وأنت تقرأ عبارات الاستنكار وكأنما غدا ستتحول البلاد إلى يوتوبيا، بحماس شديد وغيرة عربية بارزة تنتفض شتى المواقع بعد أي حدث يخالف المنطق وروح تغادر الأرض ولتثبت في هذه الأوقات وطنتيك عليك ببساطة أن تتشدق معلناً رفضك التام لهكذا فعل ويرتفع صوتك في هاشتاك تم بثه ليكون ترند في ساعتها، فيظهر بعد قليل صاحب الجلالة والطلة البهية يلقي التحية بصوت حزين متأسف مستنكر يليه عدة قرارات بالية، كصرف مبالغ لذوي الضحايا على الورق فقط، ثم حمايات لكل ما خرق وأمان لأن لا يحدث ما سبق ثم يتلو التعازي ويصرح بمحاكمة الجنات مع إيقاف التنفيذ هذا إن صح الحكم أساسا أحيانا توضع الأحكام للضحك على الأذقان ففي بلاد الساسة الأحكام تنطق ولا تطبق، ونسير بعدها نحن كأفراخ دجاج نلتهم ما يطعم لنا دون اعتراض فقد انتهت حفلة العزاء.
لنكن هذه المرة أكثر شفافية، كم مرة جربت أن تسأل نفسك، هذا الاستنكار الفارغ ماذا أعاد عليك؟
ورغم إدراكي بعدم مخالجة هذا السؤال إياك لأنني وبكل سهولة أستطيع أن أقول أن تسعين بالمئة من شعبنا يبحث عن تفاعل بدل الفعل.
أُجيبك: لا شيء، السارق فر بما سرق سيختفي عن الساحة بعض أشهر حتى يتسنى لك الوقت لتبحث عن هاشتاك جديد فيعود ويعطي يداك الممدودتان قليلاً من القروش لتبصم بإبهامك أنه سيدك، وكما يقال من أعطاك قرشاً صرت له عبداً، فلم يعد المعلم هو من يتصدر هذه المقولة فالطلاب ياأعزائي أصبحوا دعاة جهل يصدرهم نجاح فاشل بأخلاق يرثى لها كونتها مخلفات ثورة ما رأيت حتى اليوم نتائجها رغم إنها حتى الساعة تذكرنا بها المواقع بزفاف شهدائها وذكرياتهم فأبحث بين طيات الحروف لا أجد سوى جُهد بُذل ليهدر دمعاً دون أن يحيي دماً.
ثم إن قُلتَ شيئاً ذكروك بثورة الحسين عليه السلام كيف انتصر الدم على السيف لكن ما يؤسفني هو سطحية التفكير عند شبابنا ومقارنتهم لما لا يمكن مقارنته، شتان بين خُلق جُبل من بيت النبوة وتربى قومه على الكرامة وبين خَلق جُبل على وهم وصقل ببذيء العبارات حتى سقى صاحبه كأس الذل بكل افتخار فأصبح يتصدر غضبه سب الإله الذي حتى إبليس في عصيانه لم يتجرأ ونطق: وعزتك وجلالك أما نحن سبقناه عصياناً ونافسناه على المراتب الأولى ونرتجي مقارنة تتيح فوز دمٍ على سيف مسموم نحن قدمناه هدية لجلادنا، وإما سيفنا اكتفينا بتلميعه بعبارات حزينة يتصدرها حِداد واستنكار وعجبي على من يأخذ الذل ملجئ ويشكو صاحبه، أخذت أغصاننا تذبل بعد أن أشربتها يد حكام الجور مياه العلقم من كفرهم وانحرافهم يتفاخرون في دك إسفين الفسق في جذوعنا وقطع أغصاننا الوارفة، جرب عزيزي القارئ لمرة واحدة أن تقوم وسيفك الوهمي بتدوين ما أنت فاعله.
ببساطة يمكننا أن نحيا بكرامة وحياة أفضل بعمل واحد وهو تجنب الرياء، والرياء لا يقتصر على العبادة فقط إنما له من الأنواع عشر هي، الرياء الصّريح يتبعه رياء الخفيّ وشرك السرائر ورياء بدني وغيره من رياء الزيّ ورياء القول ورياء الزوّار، والأصحاب والرياء بذمّ النفس عند الناس، وذلك ليقال إنّه متواضع، والرياء بإخفاء الطاعة، وعدم اطّلاع الناس عليها، بمقابل ذلك محبته، وميله إلى مقابلة الناس له بالتوقير، والثناء، والاحترام، وتأثره بعدم فعلهم ذلك، الرياء بجعل الإخلاص وسيلةً لغاية ومطلوب غير الله تعالى، وللتخلص منه بهذه الخطوات البسيطة في الذكر وثقيلة في الميزان.
١_ استشعار العبد مراقبة الله تعالى له، وهو من موجبات تعظيم الله تعالى ومهابته.
٢_ الاستعانة واللجوء إلى الله تعالى ودعاؤه للتخلص من هذه الصفة الذميمة، امتثالاً لقوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
٣_ معرفة آثار الرياء، وجزائه، حيث يؤدي الجهل بعواقب هذه الصفة إلى تمادي المرء في القيام بها، فمعرفته بأنّها محبطة للأعمال، وموجبة لسخط الله تجعله يبتعد عنها.
٤_ معرفة عقوبة الرياء الدنيوية، وهي فضيحة الله تعالى له، وإظهار مقصده السيء للناس.
٥_ قلع أصول الرياء، وعروقه التي تشعَّب منها، وهي حبّ المنزلة، والجاه، ودفع ما يخطر للمرء من ذلك، وما يكون إلّا بمجاهدة النفس، وإسقاطها من أعين الناس، والاستخفاف بذمهم، أو مدحهم.
أخيراً، هل أنت قادر على أن تقيس مواقفك وتعيد كتابة مدوناتك بشكل يليق بداخلك دون مراءاة والبحث عن تفاعل لا يجدي نفعاً؟
فإن جاهدت نفسك في تركه والحذر منه أعانك الله ويسر أمرك (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) ويقول سبحانه: (مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا). فأبشر بالخير واصبر وصابر والله يعينك.
اضافةتعليق
التعليقات