وُلدَ الطفل الحادي عشر للجدة آسیا، أصبحت عائلة الجدة آسیا تشمل عشرة بنات وولد واحد، عندما تلد ھي، یعلم الجمیع أن زوجة حماھا أو حماتھا قد ولدت، آسیا رفعت رایة إزائھن نقشت فيها (أنا ولود فلا سماح لكنّ بالتباھي بعدد أطفالكنَ)، أمي قالت لي أنه دائماً ما كانت تجري مسابقة بینھن في ھذا الأمر، ولن تھدأ جدتكِ حتى تكسب السباق. كما تعلمون أنا طفلة البنت الخامسة للجدة آسیا، عشتُ تحت ظل رعایة والدان یُدركان وجود رب فوق رأسیھما، فمن اثباتات حظي الوافر أن (أبي) زوج البنت الخامسة للجدة آسیا ذو أدبٍ رفیع وخلقٍ حسنٍ، وأمي صاحبةُ عقلٍ طري یأخذ ویعطي، فمن حُسن صنع الباري لي میل عقل أمي لكل مافي أبي من جمال الروح.
في كل أمسیة، في بیت الجدة آسیا، الخالات والخال وأبنائھم جمیعًا نجتمع في صالة الاستقبال، أعدادنا كثیرة، لكنّ البیت ما شاء الله واسع یسعنا ویسع غیرنا، هي سويعات بينما جمیع أقراني یجول ویصول في أعماقھم صراع (أبقى أو أرحل).
تأتي ھي تتربع صدر المجلس تبدأ أمسیتنا بكلمات رعناء مستھزئة تنساب من فمھا كشلال غاضب یُدمر عز النفس وكرامتھا التي طالما سعى الإنسان ینحتھا على صخور صلدة، ثم كلمات الاطراء التي تتوجه لأولادھا الأثریاء التي تُنثر كمیاه السراب؛ لا تُغنِي ولا تُشبع من جوع. یعلمون أن ھناك خدیعة قد حُیكت لھم. فأمھم تكره أنْ ترَ الود بینھم، فتنفخ في مزامیر الكره والاحتقار؛ لا ترتاح، لا أعلم لماذا؟ لكن أمي قالت لي أنھا تحب افتعال المشاكل والشجار، وإذا نجحت ترتسم على ثغرھا فرحة النصر، ولا یتوقف صوت المزمار بارتفاعه في الدار، لا، لابدّ أن یصل للجیران، فھي تُعیّر الجار بفقره، تُجالس فقط جاراتھا مُدّعیات الأُبھة، أٔتسائل لِمَ نسیت أنھا كانت فقیرة؟! حتى بعد ولادة الطفل الأخیر لھا. عندما یأتینَ خالاتي بطعام من مطبخ الجدة الذي أحضره الجد، تنظر إلى أفواه الجمیع بغضب، فذاتَ مرة حدَّقت فيَّ بعینین واسعتین ولملمت ماحولي من المأكولات والعصیر، عندما وقع نظري علیھا كدتُ أغص بما في فمي، فأصبحتْ تُخبئ الحلوى وتقفل الثلاجة بإحكام قبل كل أمسیة. ھي ما تشاء لھا (تحج، تعتمر، تصوم، تُصلي، تكذب، وبكل كلام بذيء تتفوه).
ذاتَ مرة حصل خدي على صفعة من أمي، عندما قال لساني أن الجدة سمٌ یسیر على الأرض. كمْ غضِبت أمي، وكمْ نھرتني وقالت لي (ھي مازالت أمي)، أنا لا ألوم أمي؛ لكن بنفس الوقت لا ألوم نفسي، فھي أعدتْ قلوب بناتھا التسعة وابنھا، لحَمل غِلٍ، أ كانوا على حق أم لم یكونوا، فیُلصقون الأباطیل لكل من أحسوا ناحيته بإنزعاج، یتفننون بخداع الناس لكسب مصالحھم الفردیة، إحدى خالاتي تسرق سرًا مال أخواتھا، ثم توسعت إلى المحیطین بھا؛ لتضع جمیل الأثاث في البیت وتُلبس البنات أزھى الثیاب، ولتأكل لحم البقر والسمك، جدتي لا تسرق لكن ابنتھا تسرق؛ سمعتُ من إبنة خالتي، أن الجدة كانت على اطلاع بأعمال ابنتھا السریة فتسكت، وفي أحیان كثیرة تصمت، وتأخذ نصف المال المسروق، ھل سكوت الجدة إشارة لابنتھا بالرضا والاستمرار بهذا الفعل. إثنتان من خالاتي لا یرتحْنَ حتى یقمْنَ العلاقات المحرمة شرعًا، بحجة أنهما يبحثا عن عطف وحنان مع أنھما متزوجتان،لازالت الجدة تُسمع بنات جاراتھا ما یكرھْنَ إذ علمت ھي بإقامتھن ھذه العلاقات، لكن عندما وصل الأمر لبناتھا؛ فهي تُدافع عنھن دفاع الأبطال في المعارك الشرسة.
وأما بقیة الخالات حاقدات قاطعات لإرحامھن، لا تتوقف ألسنتھن عن السخریة والاستھزاء، وكرھهن لبعضھن أصبح مكشوف بعد أن كان سرًا، أصبح عمل الخبائث مھنة تمتھنھا الخالات، سم الجدة لم یكتفِ بھذا المقدار، فانتقل لبنات وأولاد خالاتي والخال، ولم یكتفِ لأجده ینتقل لأحفاد خالاتي، أصبحوا فرقة تعیث في الأرض فسادًا، فأصبح سماع خبر مرضھا واحتمال موتھا في كل مرة لا یُفرحني؛ فلا یُجدي نفعًا، لقد ثبتت جذورھا بإحكام في الأرض، وبدأ المجتمع یتذوق ثمارھا الفاسدة. أنا طفلة، لا أعاتب النفس إذا تمنت الموت للجدة، فالأطفال دائمًا یتمنون موت الساحرات السیئات، إذ لم یكن الدعاء للھدایة لھن نفع. كم كانت كلمات الجدة حادة، أحَد من سكاكین القصاب، تُمزق براءة الطفولة وإنسانیتھا إربًا إربًا، لكن كلمات أمي الحنونة المُستقاة من والدي، تخیطُ براءة طفولتي بخیوط من حدید فلا تنكسر، وإنْ تصدأتْ لا تھدأ والدتي، حتى تمحوا الصدأ، ھذا ماكان أبناء خالاتي وخالي یفتقدونه، فأصبحوا نُسخ مُماثلة للجدة. قالت أمي وحاولت أكثر من عدد شعر رأس الجدة أن تقول لھا، على لسان طه ووصیه (صلوات الله عليهم) "الَّسخُّي قریب من الله، قريب من الناس، قريبٌ من الجنة"، "ثمرةالكذب المهانة في الدنيا والعذاب في الآخرة".، "الحقودُ معذب النفس ومتضاعفُ الھّم".، "طوبى لمن شغله عیبه عن عیوب الناس".
لكن لا فائدة فلقد أجادت آسیا صمَّ آذانھا، وكل مافیھا حجرٌ أصم، لا ینفع معھا شيء، تفعل كل ما یرتاح له شیطانھا.
اضافةتعليق
التعليقات