نوم فارق الجفون تاركا مغتصبات الروح تقوى على البدن يتساءل عن جُم الأشواك على وسادته وكأنما الدنيا ضاقت به ولا خروج من جسد منهك يرثي الدنيا دما ولا يرثى على الباكي.
دفعني من الفراش تجوالا يذهب عن النفس سقمها بينما كان الليل في أوجه والأميال تحتضن بعضها، كانت أمي جالسة على سجادتها بين يدي الخالق والكف سبيل قد مد، تسللت قطرات مالحة عبر محجرين منهكين تُقبل بكل ملوحتها وجنة اصطفت عليها سلاسل من قيود جلدية تشد أطرافها وتلهب محيطها وتترك حفرا عميقة على سطحها بيدَ أن اليدين تدافعان بكل مااوتيت من قوة وتلم ما ضاق به الوجه كقربة ماء تجمع قطرات في أرض قاحلة.
في الوقت الذي كان الدار يمتلئ بمن يملأ القلب ثم يخلو منهم فلا يخلو القلب متسائلا ماضر الدنيا لو جعلتنا وأدعيتنا نلتئم كجرح أو نسير كسيل في آخر النفق أو كبئر شح مائه وعلى حين غفلة قَبل ينبوع من تحت الأرض، لحظات فصلتني عن نفسي وجعلتني أقارن بين دعاءٍ قد قام تواً ولا يشتكي صاحبه إن لم يجاب وبين دعاء أبثّه على سرعة مني وأشكو عدم الإجابة، خالجني حياء من بارئ غفور لا يمن على خطاء عاصٍ ترك في أوج الفرح ذكره وحين الحزن لم يستحي اللجوء إليه.
هناك مساحة تفصل التفكير والقول عن فعل لا يدرك أي طريق يسلك وقد تكون اجابته منطوية بين زوايا منسية، أتساءل كثيرا متى يحين الوقت الذي نطرح على أنفسنا كيف نلقي الدعاء لا لماذا لا يجاب.
بالمختصر، أجد أن الإجابة طالت أذهاننا واخترقت قلوبنا، في الوقت الذي كان الاقتراب فيه متاحاً شعرنا بالوحدة، وحينما داهمنا على حين غفلة عزل اجباري حاولنا أيضاً أن نكون عظماء منازلنا، اهتممنا بأدق التفاصيل، قمنا بالتركيز على كل تلك الزوايا التي قد لا تكون محطاً للأنظار وأصبح للتفاصيل الخاطفة أهمية كأي قطعة بارزة في المنزل حرصاً على قضاء أطول وقت ممكن في الانشغال، وخوفاً على شعورنا بالوحدة التي قد تنبع من داخلنا وتستقر في النفس فتحولها كدراً إذا سمحنا لها بالتمدّد.
مر وقت طويل، ولا أعتقد أن خلال هذا الوقت ستكون مثل هذه الوقفة مملّة، بل هي تلك المساحة التي تحتاجها للتمعن، التفكر وإعادة الاعتبار لكثير من الأمور التي لطالما كانت بين زوايا الروح تمنحنا إعادة التفكير بنواقص كنا في حاجة إليها بينما نتغنى بالعهد السابق ما قبل «كورونا» بأشهر قليلة، هل شعرت أن ما قمت به خلال هذه الفترة قد لا يكون مطلوباً؟ مفيداً أو حتى قد لا يساعدنا في الارتقاء؟ هل شعرت أنه من خلال هذه المساحة هناك أيضاً مساحة للتفكير فيها بعلاقتك مع الله عز وجل كيف تقترب منه وأي طريق تسلك؟ وقد يكون هذا السؤال العظيم منطوياً بين الزوايا المنسية، وقد حان الوقت لتبدأ طرح هذا السؤال على نفسك بمصداقية وبرؤى تنظر من خلالها لنفسك أين وكيف وما السبيل إلى اجابة الدعاء.
هل تعلم أن عدم استجابة الدعاء يعود إلى جملة من الأسباب هي أسباب تتعلق بنفس الدعاء.
أولًا: الدعاء المناقض للقوانين الكونية أو الشرعية:
شاءت الحكمة الإلهية أن تحكم الإنسان قوانين كونية وأخرى تشريعية، وعليه فلابد أن يعي الإنسان ذلك ويحرص على أن لا يتجاوزها، فإن هو دعا فلابد أن يكون دعاؤه ضمن دائرتها وإلا فلا يستجاب، وعليه فإن الدعاء –مثلًا- لأجل الخلود في الدنيا، والدعاء لأجل قطع رحم، وما شابه ذلك لا يمكن أن يستجاب.
روي عن الإمام علي (عليه السلام) وقد سمع رجلا يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الفتنة" قال: "أراك تتعوذ من مالك وولدك، يقول الله تعالى: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة" ولكن قل: اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن".
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) لما سئل عن قوله تعالى: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضهم على بعض" قال: "لا يتمنى الرجل امرأة الرجل ولا ابنته، ولكن يتمنى مثلها".
ثانيًا: دعاء الحبيب على حبيبه
فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "سألت الله أن لا يستجيب دعاء حبيب على حبيبه".
قد يدفع الغضب أحيانًا لأن يدعو حبيبٌ ما على حبيبه، ولو كان هادئاً لما فعل، فإن تحققت الإجابة فقد يكون هو أول المتألمين عليه، هنا تتجلى أهمية سؤاله (صلى الله عليه وآله) ليجسد مدى رأفته ورحمته بعموم الناس، كيف لا؟! وهو الرحمة المهداة منه تعالى للعالمين أجمع.
ثالثاً: تعليق الدعاء؛ كأن يقول الداعي اللهم ارحمني إن شئت، فالصواب هو الإلحاح في الدعاء مع اليقين بالإجابة.
رابعاً: ضعف نفس الداعي وقلبه، وذلك إمّا بإساءة الأدب مع الله -تعالى- كما هو الحال عندما يدعو المرء بصوتٍ عالٍ، أو الضعف في الإقبال وصدق التوجه إلى الله تعالى، كأن يدعو المرء لفظاً دون حضور قلبه، أو يدعو الله مُستغنياً عنه، أو تكلّف البكاء دون صدوره من القلب أو الشعور به.
ولتعلم أن دعاءك لن يضيع، فإما أن يعجل لك به ما تريد، وإما أن يدخر لك من الثواب ما أنت في أمس الحاجة إليه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، وإما أن يصرف عنك به شر، أو بلاء في هذه الدنيا.
اضافةتعليق
التعليقات