إن صعود وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر أساسي للأخبار والمعلومات مقابل ضعف قوة المؤسسات الكبيرة التي لطالما كانت متحكمة بالمعلومات يُقدم على أنه أمر ثوري يحقق شكلاً من أشكال ديموقراطية حيازة وتداول المعلومات ويجدر الاحتفاء به، فالجميع اليوم قادر على نقل الحقائق لكل البشرية لحظة بلحظة عبر هاتفه المتصل بالشبكة، لا رقابة، لا تقطيع، لا حذف، ولا إعادة صياغة للحقائق، وهكذا استطاع سكان غزة مثلاً إبراز المظالم جراء العدوان الصهيوني لأنهم كانوا قادرين على مشاركة ما يحدث بالصوت والصورة آنياً ودون قيود.
غير أن غياب المركزية والعمل المؤسساتي في نشر الأخبار والمعلومات ليس هو الخيار الأفضل دائماً رغم بعض نتائجه الإيجابية إذا ما قورن بالمؤسسات الإعلامية الرصينة، على فرض أن المؤسسة الإعلامية تحاول مراعاة أخلاقيات المهنة وتعمل وفق ضوابطها وتخضع إلى القوانين الحاكمة للعمل الإعلامي.
إن من الأسباب التي تدعو إلى الحذر من وسائل التواصل الاجتماعي هو أن المعلومة السائدة هي المعلومة المتداولة أي أنها خاضعة لقوة الجماهير الغفيرة وليس لجودة المعلومة وهذا يجعلها قامعة للحريات من جذورها، ومجتثة لآراء الأقليات ومدمرة لهم، وسيطرتها سيطرة فاشية.
وقد أدركت الجهات المختلفة هذا لذا بدأت بشراء أعداد غفيرة من المؤثرين لكسبهم إلى جانب أيدلوجياتهم والتأثير في ملايين من متابعيهم، بالإضافة إلى صنع ملايين الحسابات الوهمية لمنح زخم لخبر أو معلومة أو شخص ما.
والناقل للخبر أو المعلومة على وسائل التواصل الاجتماعي قد يعتمد عليها كمصدر دخل لذا سيميل لجهة من الجهات للحصول على دعمها المادي، أو ينتج كماً من الأخبار والمعلومات المثيرة للجدل لكسب عدد المتابعين الأكبر وبناء قاعدة جماهيرية قوية دون التحقق من جدوى أو صحة هذه المعلومة أو تلك لتحصيل الأرباح الفورية.
إن تداول الأخبار والمعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي عملية غير منظمة تفتقر إلى الإتزان والترابط والجدوى، وإن كم المعلومات السيالة بحاجة إلى جماهير واعية لفرزها وتحليلها واختبار صحتها ثم اختيار الأصلح منها وهذه عملية طويلة تشق حتى على الأفراد الأكثر وعياً في خضم الحياة الحديثة، فطبيعة التواصل الإنساني المباشرة بين ناقل الخبر ومتلقيه تجعل كل ما يرسل عبر هذه الصلة قابلاً للتصديق لأن الفرد ما أن يبني علاقة ثقة مع مؤثر ما تقل قدرته على فحص معلومات ذلك المؤثر ونقدها نقداً موضوعياً، كما إن الانتقاء الشخصي يخضع إلى متغيرات نفسية كثيرة مثل الحالة المزاجية أو التجارب السابقة، وهذا يؤثر على جودة ذلك الانتقاء ويجعله متحيزاً، ولا يمكن علاج ما ينتج من آثار هذه العملية بسهولة.
والأمر لا يتوقف عند مصداقية الخبر أو المعلومة بل يتعداه إلى طرق معالجتها، فالأخبار والمعلومات التي تتخذ من وسائل التواصل الاجتماعي قنوات لنقلها تساهم في تحطيم الذوق العام وتراجع القدرات العقلية لما فيها تبسيط ورداءة في الصياغة والمعالجة، وضيق في زوايا النظر، وركاكة في اللغة المستخدمة.
وهذه الأسباب لا تشيطن وسائل التواصل الاجتماعي، ولا تدعو إلى هجرها، أو فقدان الثقة بمحتواها، بل إلى ضرورة تظافر جهود المفكرين والمثقفين وجهود مؤسسات الدولة المعنية والمنظمات المختصة بوضع قواعد وقوانين لتنظيم العملية ورفع وعي الجمهور بكيفية التعامل مع إعلام وسائل التواصل منذ سن المدرسة الصغير عبر مناهج مدرسية مدروسة لبنائه جزءاً من شخصية الفرد، وهي دعوة دائمة لعدم الانبهار بالتقنية الحديثة وكأنها ذلك الحل المثالي لكل النواحي المتعثرة في الحضارة البشرية اليوم.
اضافةتعليق
التعليقات