لقد بلغ السيلُ الزبى، وها أنا ذا قد وصلت إلى حافة الجنون، لا أعرف كيف أتمالك أعصابي، دائما أخاطب ربي متسائلة في سرّي، ما الذي فعلته في دنياي حتى أستحق ذلك، ما الجرم الذي قمت به لكي أُعاقَب بهذه الصورة، لماذا كل شيء يضيع مني ولم أعد أسيطر على زمام الأمور هكذا؟!، كنت أخاطب ربي ثم أجهش بالبكاء.
أطفالي هم سر سعادتي، وكم حلمت بأن اجعل منهم قدوة لذويهم، كنت أتخيل مسيرة حياتهم من نجاح الى نجاح، وكنت أسعى كي يكونوا في قمة الالتزام، حتى ينالوا التوفيق، لكن!
لم أرَ سوى التعب واللامبالاة من قبلهم، حتى أنني كنت دائما أتساءل باستغراب، لماذا لا يعيروني أي اهتمام عندما انصحهم، هل قصّرت في دلالهم وتلبية احتياجاتهم، أم أنني لا اعرف كيف أتعامل معهم، أهكذا يكافئونني، لِمَ هذا الجفاء من قبلهم لي، لم أكن سيئة ولا عاقة لوالديّ، لم أتعامل معهما مثل ما يتعاملون أبنائي معي، مازلت اذكر كيف كنت خير بنت لأمها.
دائما كنت أسأل نفسي: (كيف استطاعت أمي أن تربينا وترعانا رغم الظروف الصعبة التي واجهتها)، ثم أسأل نفسي عمّا أصبح عليه أولادي، وأقول: كيف صار وضعهم هكذا، لدرجة أنهم لم يهتموا لصلاتهم او لحياتهم العلمية او العملية، وأصبح سر اهتمامهم (بالموضة) والأزياء والتكنولوجيا والجوال
وغيرها من الأمور التي تسرق أوقاتهم، وتقضي على حياتهم وتجعلها من دون طعم او هدف.
هكذا كنت اقضي وقتي واندب حظي وعندما آخذ كفايتي من البكاء، انفض همومي وأقوم بتكملة يومي ظنّا مني أنني قادرة على إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهي محاولة لابد من القيام بها.
ذات مرّة اتفقنا للخروج في نزهة، وكان في خاطري التقرب منهم وكسبهم لصالحي، لكن ما كان في الحسبان أن أصاب بوعكة صحية، مما جعلتني ارقد في الفراش وبالتالي تقرر أن تؤجل النزهة بسببي، لكن حاولت أن أوظف هذا الحدث لصالحي، وذلك من خلال إصراري على ذهابهم في هذه النزهة من دون أن أذهب معهم بسبب المرض، وسوف أقوم أنا بالذهاب إلى بيت أمي حتى يعرفوا قدر الأم وتضحيتها من اجلهم، وان مرضها لن يكون سبباً في إفشال نزهتهم، لكن الذي حدث لم يكن يخطر في البال!.
كنت مؤمنة بأنهم بعد هذه النزهة وبعد تضحيتي التي قمت بها من أجلهم، سوف يكون رد فعلهم لصالحي وصالحهم، ولابد أن يعودوا إلى رشدهم! وبالفعل عادوا.... ولكن كيف! وما هي القوة أو وسيلة الإقناع التي أعادتهم الى سبيل الصواب؟.
كنت نائمة بالقرب من أمي وأيقظتني لصلاة الفجر، فقمت كي أتوضأ ثم أديت صلاتي، وقرأت ما تيسر لي من القرآن وعدت إلى فراشي، لكن أمي لم تعد إلى فراشها، إلى أين ذهبت يا ترى؟.
إن أمي لا تزال على سجادتها في مصلاها، لِمَ هي هناك، وماذا تفعل؟.
إنها مازالت تدعو لي والى أخواتي، وتناشد ربها قائلة، الهي وسيدي احفظ أبنائي من كل سوء، وافتح أبواب رحمتك لهم، إلهي سدد خطاهم وارعاهم ووفقهم في حياتهم ووو…
وقفت مستغربة وأنا أردد معها الدعاء!...
يا الهي إن أمي ما انفكت تواصل الدعاء لنا طيلة هذه الفترة، انه نفس الدعاء الذي كانت تردده لنا مذ كنا صغارا! تذكرت كيف كانت تدعوا لنا ونحن في واحة الدفء والحنان.
نظرتُ إلى السماء وخاطبت ربي بخجل! كم كنت أنانية بحق أطفالي لاني لم أناجي ربي سرا في الدعاء لهم، لقد عرفت سر والدتي وكيف حافظت علينا من مصاعب ومشاكل الحياة، إنها كانت تستنجد بربها لحفظ أبنائها، رفعتُ يديّ إلى السماء، فتساقطت دموعي وناجيت ربي، إلهي الكريم، استودعك أطفالي أمانة عندك.
لقد رجعت من بيت أمي مطمئنة على أطفالي، لأول مرة أشعر بهذا النوع من الثقة والاطمئنان، لقد ناجيت ربي، ودعوت لأطفالي من أعماق روحي، مثلما كانت تفعل أمي عندما ترفع رأسها الى السماء، وتقضي الكثير من الوقت في محراب الصلاة فوق سجادتها، وهي تدعوا لنا الله تعالى، بالنجاح والتوفيق والأمان والسلامة، شعرتُ أنني تخلصت من أنانيتي الى الأبد، وأن التوفيق سيكون ملازما لأولادي في حياتهم.
هكذا عدت الى بيتي مطمئنة مرتاحة الضمير، لأنني أودعت أولادي للذي لا تضيع ودائعه.
اضافةتعليق
التعليقات