على خلفية ما يحدث داخل المشهد السياسي المخيم حاليًا على ارض البلاد، وكمية التضليل والمفارقات والتناقضات الهائلة بين كر وفر وشكٍ ويقين ازاء تحليل الحاصل الغير منطقي غالبًا والذي يتلاعب بانطبعات الكتل أو الجماعات وحتى الافراد تحديدًا، بكافة انتماءاتهم وتوجهاتهم، تباينت الآراء واختلفت بحدية مكنتها أن تولد عِداء، وهناك بعض حيادية اختلطت فيها الأوراق حيث تشوهت معالم وجه الحقيقة المفقودة التي أُستهدفت من كل حدب وصوب .!
وكما هو معلوم، تحظى مواقع التواصل الاجتماعي عبر شبكة الانترنت بشكل واسع حضور كل من يعنيه الأمر لمناقشة الوضع الراهن وتبعاته في كل آن من خلال كتابة التغريدات ونشر بعض مقاطع الفيديو والصور التي توثق الطرح وما يترتب عليه من مساندة أو معارضة أو انتقاد واستنكار وربما مطالبة ما من قِبل الناشر، وهنا تأتي الردود المتعددة بين مؤيد ورافض، وما نشكوا منه هو حينما يُقدِم المتلقي رأيه المغاير ووجهة نظره المختلفة لتندلع حرب أخرى يتخللها التحدي ويتمسك فيها الطرف الثاني أو كلاهما بإثبات صحة رأيه وعدم تقبل الرأي المغاير ولا بأي شكل من الأشكال.
ليس هذا فقط بل تتوسع دائرة الخلاف وتتدخل فيه أطراف كثيرة ذات صلة ضمن هذا المعترك النقاشي للمناصرة والمناظرة أو الانحياز لجهة دون أخرى، على حساب علاقات وثيقة قد تربطهم على أرض الواقع قبل رباط الصداقات في العالم الافتراضي وتعبث بها حتى يصل الحال في ما بين البعض للسب والشتم ورفع اصابع الاتهام بل والغاء التواصل مع الآخر لكونه لا يتفق حتى يصل الأمر إلى القطيعة! .
وخلف الكواليس تجد من يتفرج خلسة ومجاهرة متشفيًا سعيدًا بما حققه من نصر مبتغى في تقسيم أبناء الوطن الواحد وبعثرتهم للنيل منهم عبر "فرق تسود" فالجميع لا يعلم خفايا الأمور ولم تكن الصورة ذات يوم كاملة ولن تكون، بيد أن تأزيم الوضع يقع على عاتق من يستعجل الحُكم والقرار على أساس بعض معلومات غير مؤكدة يتداولها الاعلام المغرض والاعلاميين الذين يفتقر الكثير منهم للمهنية والضمير، وهكذا يمسي الجسد الواحد يشكو هشاشة اعضائه ويتهاوى من فرط ضعفه وقلة حيلته، متمنين له الانهيار العاجل والسقوط الذي لا قيامة بعده.!
هذا ما يستدعي القلق والخوف الكاسر، فإن ثقافة تقبل الرأي المُغاير بين أفراد المجتمع الواحد قضية بالغة الأهمية، وانما كيف لنا من بناء سد منيع بوجه العدو دونما قبول مشاركة تنفيذ خطتك وخطتي كُلٌ في جانب معين أو دراستها على الأقل، لنرى أيهما أفضل أو أنفع؟ أن نسمع الآخر ونقرأ له ونتقبل رأيه يُعتبر ذلك من علامات النضج الفكري وخلافه لا نستطيع التطور اطلاقًا، أي إن هناك خطأ فادح نرتكبه في عدم تقبلنا اختلاف الآراء، ولا نعي مدى خطورته في هذه المرحلة الحرجة بالذات، والغريب نحن كثيرًا ما نسمع ونقرأ حرفيًا عبارة "اختلاف الرأي لايفسد للوِد قضية" بيد أننا لا نلتمس تطبيقها فعليًا إلا ما ندر!.
في مقولة "كل شيء يزيد عن حده ينقلب ضده" أرى أن مِما قُدم في الآونة الأخيرة من مغالاة وتركيز عالِ في كتب تطوير الذات ومحاضرات التنمية البشرية وغيرها لتثقيف الفرد وتطويره، عزفت كثيرًا على وتر "أنت" أنت فقط وأنت اولًا، قد يكون سببًا في ذلك، أي حصلت هناك مبالغة في توجيه الفرد نحو نفسه بإكتفاء ذاتي من خلال ما وفرته التكنلوجيا الحديثة التي تغنيه عن الكثير، وعدم مشاركة الآخرين أو الانتفاع من تجاربهم الملموسة وخبراتهم المكسوبة واقعًا، فيرى أنه الأجدر بخوض الصراع وتجربته دون مطالعة أو ارشاد، حيث ينطبق هذا على الكثير من الشخصيات الفاعلة في المجتمع التي ثابرت واجتهدت لتصل إلى مستوى راقٍ يجعل منها واجهات مرموقة تحظى بالمتابعة والتأييد والثأثير البالغ على المتلقي ليطبق ما تدعو له تلك الشخصية التي قد تكون مستقلة أو تابعة لجهة ما.
نعم، قد يكون هناك الكثير مما تعلمناه ومما أُتيح لنا بشكل مبالغ فيه ينعكس علينا سلبًا، فمهما كنا ملمين بأسس القضية دائمًا ما يكون هناك أمر مخفيّ لا نعلم عنه، فالامتناع عن اتاحة الفرصة للآخر حتى يفصح عما يدور في فكره وخلق له مساحة تحتويه، بحجة أن لنا الأحقية كوننا مطلعين ونتواجد في الساحة، هو ما يضعنا في دوامة لا مخرج منها، يقول تعالى في محكم كتابه الكريم: (لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما اتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعًا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) سورة المائدة آية 48.
ما يُبين أن مشيئة الله تعالى اقتضت أن يخلق الناس جميعًا مختلفين وهو الذي صيّر هذا الاختلاف وجعله من ثوابت النظام الكوني. ولهذا يعود جل ما يقع على رؤوسنا من كوارث ومصائب، هو عدم التمسك بالتعاليم والاخلاقيات المفروضة التي يقدمها ديننا المعاصر الحنيف، للنهوض بمجتع واعٍ يتحد للقضاء على الآفات التي تفتك به مع كل ما يحتويه من مكونات مختلفة.
كما يجب علينا مشابكة أكفنا جميعًا لنصبح يدًا واحدة مهما كثرت الفروع، كون الجذور سقيت بالماء ذاته ..
هذا و نعود للسؤال الذي يطرح نفسه مرارًا، ما الضير من أني اختلف معك في الرأي ما دمت وإياك نخوض معركة واحدة؟!
نعم انت لست وحدك في هذه المعركة وعليك أن تعي بأني رغم اختلاف وجهة نظري في تعاملك مع الاحداث، كن على يقين أني سأقاتل من أجل أن تنال حقك الذي هو حقي أيضا مهما اختلفت طرقنا، و مهما تعددت الآراء تبقى القضية واحدة والانتماء واحد، سأدافع عن كلينا وعن هذا الوطن، فأنت وأنا نكمل بعضنا، فأرجوك لا تجعلني أتخبط بينك وبين بلادي كالضرير .!
اضافةتعليق
التعليقات