الأرض مليئة بالأماكن والأماكن تملأوها المجتمعات، والمجتمعات تكَوِّنها مجاميع من الأفراد، وكل فرد في هذه الحياة يملأ حيزاً من الفراغ، السؤال هنا هذا الحيز ذاته بمَ يملأه الفرد وما مدى تأثيره على محيطه، أو هَل من المحتمل أن يكون فارغًا حتى النهاية دون ترك أثر؟
بالمجمل يتميز الفرد عن الآخر بإختصاصه مثلًا أو منصبه أو نوعية عمله وشهرته وغيرها من المميزات التي تُرتب في الواقع حسب سلطته وسطوته وما يملك، إنما كُلها مهما بلغ فيها القمة دون الالتزام بتعاليم الدين من الأخلاقيات وتحكيم الضمير، حتمًا سيصل حيث شاء، لكنه يسقط بعدها سقوطًا مدويًا حين صحوة، ويكتشف أنه لم يصل إلى شيء اطلاقًا .
إدراك استحالة أن الماديات تصنع للفرد قيمة مجتمعية وحتى ذاتية أصبح أمر شبه معدوم، بل غالبًا ما انعدم وانتهى عزاؤه في هذا الآن بالذات، حيث نرى الناس مشغولة بجمع المال وأخذ السلطة وصنع الجاه والعز والشهرة وشراء الحاشية والمؤيدين بكل الطرق حتى الخسيسة منها، وإن زادت كتل الخطايا لابأس من اضافة جديدة فيها مكسب مغرٍ على أساس أن تكون الأخيرة.
يتوهم هذا الفرد بأهميته الكبرى لدى من يعرفونه ومن سيتعرفون عليه في المجتمع، كونه أصبح ثقيل الوزن ماديًا ومكانيًا وهذا ما يهمه في الأمر وما يهم الناس بإعتقاده، مسكين لا يعلم بوزنه هذا أنه معرض للخسارة الفادحة في أيةِ لحظة، فهو أشبه ببالون يملأوه غاز الهلوين يرتفع سريعًا وعاليًا، ولا علم لأحد سيتشظى أين ويختفي ثم يُنسى.
صحيح أن المال وكل الماديات مطلوبة والجميع بحاجة إليها، بيد أن تكون مكتسبة بطرق سليمة وقويمة مع شريطة الحاقها بما يجعلها بالضرورة ذات منفعة معنوية، تنال رضا الخالق قبل المخلوق، فإن بناء قيمتك بشكل سديد، وملئ حيزك بالصواب يأتي بعدة شروط بسيطة وعظيمة، أولها مخافة رب الأرباب وجعل كل ما تقوم به لوجه الله لتنال الرضا والأجر والثواب قطعًأ، فما كان لله ينمو ..
حُسن التعامل مع الآخر وسعة الصدر والصبر عليه من أجمل ما يتصف به الفرد، حيث قال سيد البلغاء علي (عليه السلام): "احمل أخاك المؤمن على سبعين محمل". وهذا ما يجعلك حليمًا محمودًا بين الناس يثقون بك و يقصدونك حتى لو كنت لا تملك سوى الكلام.
تقديم العون ومد يد المساعدة دون انتظار مُقابل واخبار المعني بذلك، يُشعرك بالسعادة ويجعلك سخيًا ذا عزة ومروءة تجني المحبة والامتنان والتقدير عند القاصي والداني على حدٍ سواء وسيلجأ لك كل محتاج دون خوف أو تردد وهذه من صفات المؤمن الحبيب عند الله ..
الصدق فيما تقول وتفعل صفة رفيعة ترتقي بها أعلى سلالم الفوز في الدنيا والآخرة، كن صادقًا مع الله ونفسك والخلق، تحيا منعمًا مكرمًا يقصدك كل سائل ضائع وشاكٍ يتخبط، فيستدل بصدقك لتحل عقدته بما يسر خاطره ويُنهي زوبعة القلق داخله..
أن تكون أميناً تحفظ السر والوديعة وتصون الملح والزاد، هذا ما يُتَوِجك ملكًا على عروش القلوب ويجعلك مدعاة فخر ذو هيبة وعزة، تقصدك وتنحني لمصافحتك كبار القوم قبل صغارها بقلوبهم قبل الرؤوس والأيدي، فالأمانة أرفع ما يتحلى به الإنسان، لُقب نبينا محمد (ص) بالصادق الأمين لشدة أمانته وقد أوصانا بقوله الشريف" "ادَّ الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك". تبقى بذلك أنت الأفضل دائمًا..
قول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة المظلوم والتصدي للظالم، كما أن الاعتراف بالخطأ والاعتذار من أروع الفضائل. والابتسامة بوجه أخيك والتصدق بالكلمة الطيبة حتى وغيرها الكثير من الفضائل التي تعلمناها من ديننا الحنيف هي تلك الأمور المعنوية الزاخرة المتمثلة بالمواقف النبيلة التي تقوم بها من أعمال الخير مع زيد من الناس، تخلد شخصيتك وترفع مستوى تقييمك على الدوام..
كل الماديات المرتبط بها زائلة، إطلالتك البهية، رصيدك المصرفي، سيارتك الحديثة، وسكنك الفاره وكل الشكليات الجذابة مؤقتة لفترة من الزمن، ولن يبقى منك سوى السيرة الحميدة في هذه الحياة إلى ما بعدها لو اخترت ذلك، أنت من تصنع من نفسك شخصية متزنة ايجابية ومؤثرة، والعكس، هذه يا سادتي حقيقة قيمتنا في المجتمع.
اضافةتعليق
التعليقات