زرع الله بداخلنا بذرة الحب من الصغر قبل الوصول للإدراك والوعي ويستمر هذا الشعور لنعبّر عنه إن راعينا نموه بالخير والعطاء، يساعد الأبوان في ذلك أن كانا يحترمان ويفهمان أهمية الحب والمجتمع الذي يحترم العلاقات الإنسانية كالأقارب والجيران، وهو حب فطري بغرائز طفولية بريئة يحددها ويقويها الوعي والتجارب التي تكسبهم الصفات والطبائع الحميدة.
ومن أنواع الحب مشاهد استوقفتنا لأطفال عبروا عن حبهم لأهل بيت النبوة (عليهم السلام)، في قلوبهم الدافع والحماس ليثبتوه في سلوكهم.
لقد اصروا رغم أعمارهم الصغيرة جدا أن يكون لديهم موكب ويحقق غايات وأهداف الموكب الحسيني منها التعاطف مع القضية الحسينية ومشاعر الغضب والرفض لظالميه، والمشاركة بالضيافة لزوار أبا عبد الله تقديرا واحتراما لمسعاهم.
نذكر أحدهم من أهالي كربلاء استوقفني قصته التي شاعت بين الناس، بدأ بموكب صغير لتوزيع الماء وموكبه مكون من أربع أضلاع من الأعمدة الخشبية البسيطة ويغطيها قطعة قماش سوداء استعان في ترتيبه بأصدقائه الذين يقاربونه عمرا، أما القماش فقد اشترته والدته بعد الحاح شديد من قبله فاقتنعت والدته لتمّسكه بالفكرة وعدم الرضوخ لوسائل الاقناع التي ارادت أن تثنيه عن رغبته في نصب موكب.
وكان له ما أراد وعمل به كما يعمل ويقوم كل محب لخدمة زوار أبي عبد الله وما كان يستطيع تقديمه هو الماء والعصير الذي تصنعه والدته من مكونات بسيطة، هذه العزيمة لم تخبُ ولم يغيرها الزمن أو المسؤوليات واستمر هذا الشبل لخدمة الزائرين حتى أصبح شابا يحمل نفس العزيمة والحب وأصبح يدير موكبا كبيرا ويقدم الخدمات من مأكل ومشرب ومأوى.
انتشرت قصة اخرى في مواقع التواصل الاجتماعي لطفل نجفي حمل نفس الإصرار والحب الفطري وأراد أن يكون لديه موكب خاص أمام باب داره الذي لا يمر بجانبه (المشاية) وتقول والدته: (بعد محاولاتي لأن شارعنا ليس طريقا للزوار وبعد إصراره حققت ما يريده، ووفرت له الماء والشاي ليوزعه، وبقى منتظرا إلى منتصف الليل بكل صبر وأمل أن يحقق ما يتمناه قلبه الصغير البريء، لكن للأسف لم يمر أي زائر .
وتكمل والدته بالقول: من حزني عليه جاءتني فكرة أن أصوره لتكون ذكرى جميلة تعبر عن صلابته وحبه الفطري لأهل البيت ( عليهم السلام)، وفعلا صورته وهو يقف وحيدا وأمامه الماء والشاي ودون قصد أو حسبان انتشر المقطع بعد أن أرسلته لمعارفي بشكل كبير ومفاجئ .
وأردفت قائلة: كان هناك من المشاهدين لهذا الفيديو والذي ساقته الصدف من أصحاب المواكب وما إن شاهدوا الفيديو حتى هبوا لتحقيق رغبته، لقد غيروا مسار مواكبهم ليمروا على باب دارنا ويقيموا عزائهم أمام موكبه المتواضع.
بفرح وزهو تكمل والدته سرد الموقف وتقول: لا أحد يتصور فرحته وهو يلوح لهم بيده الصغيرة بكل ثبات وعزم وإرادة مستقبلا لهم وقام بضيافتهم وتقديم الماء والشاي ولاءً لهم.
كما قلنا إن الحب يثمر بالسلوك ويعتمد على البيئة التي يترعرع بها الطفل، وهذه القصص وغيرها ممن نسمع ونراها تؤكد أن الحب الفطري متأصل في أرواح جميع الفئات والطبقات من التابعين والمناصرين لأهل بيت رسول الرحمة والحب والعطاء عليهم السلام أجمعين.
اضافةتعليق
التعليقات