عطاء بلا منّة وبلا مقابل هي من صفات الكرماء حقا وصدقا.. قد يعطي أحدهم ما في يده لصديق أو أخ أو لقريب له، لكنه يبطن في داخله انتظاره لرد الجميل منه عاجلا أم آجلا، وتبقى العملية التي تحكم حياتنا نحن البشر بين الجميل ورده.. إلا القليل ممن يرون في العطاء المجرد من تلك العلائق والحيثيات سعادةً لا توصف، وشعورا مفعما بالفرح والامتنان إذ وفقه المولى عزوجل للحظة عطاء تغدق على نفسه بأحاسيس الرضا والارتياح.
ولعل في قصة الملياردير بيل غيتس مع بائع الجرائد خير دليل على مصداقية هذه الجزئية، عندما سألوا بيل غيتس هذا السؤال:
_هل يوجد هناك من هو أغنى منك...؟
فقال: - نعم هناك شخص واحد أغنى مني.
فقالوا: - ومن هو...؟!
فقال: - منذ سنوات مضت عندما أكملت دراستي.
وكانت لدي أفكار لطرح مشروع المايكروسوفت
كنت في مطار نيويورك من أجل رحلة
فوقع نظري على بائع للجرائد..
فعجبني عنوان إحدى الجرائد التي يحملها
أدخلت يدي في جيبي لكي أشتري الجريدة
إلا انه لم يكن لدي من فئة العملات النقدية الصغيرة فأردت ان أنصرف..
فإذا ببائع الجرائد وهو صبي أسود
يقول لي: - تفضل هذه الجريدة مني لك.!
فقلت له: - ليس لدي قيمتها من الفئات الصغيرة
فقال: - خذها فانا أهديها لك
وبعد ثلاثة أشهر من هذه الحادثة
صادف أن رحلتي كانت في نفس المطار
ووقعت عيني على جريدة
فأدخلت يدي في جيبي فلم أجد أيضاً
نقود من فئة العملات الصغيرة وإذا بنفس الصبي
وهو يقول لي: - خذها.!!
فقلت له: - يا بني قبل فترة حصل نفس الموقف
وأهديتني جريدة هل تتعامل هكذا مع كل شخص يصادفك في هذا الموقف...!؟
فقال :- أجل..
فأنا عندما أعطي.. أعطي من كل قلبي..
وهذا الشيء يجعلني أشعر بالسعادة والإرتياح
يقول بيل غيتس: -هذه الجملة ونظرات هذا الطفل بقيت عالقة في ذهني وكنت أفكر دائماً
يا ترى على أي أساس وأي إحساس يقول هذا.!!
وبعد مرور (19 سنة)...
عندما وصلت إلى أوج قدرتي المالية
وأصبحت أغنى رجل في العالم
قررت أن أبحث عن هذا الصبي لكي أرد له جميله
فشكلت فريق..
وقلت لهم اذهبوا إلى المطار الفلاني
وأبحثوا عن الصبي الأسود الذي كان يبيع الجرائد وبعد شهر ونصف من البحث والتحقيق
وجدوه وكان يعمل حارساً في أحد المسارح
فقمت بدعوته إلى مكتبي وسألته هل تعرفني.؟
فقال: - نعم..
أنت السيد بيل جيتس فالجميع يعرفك
فقلت له قبل سنوات مضت...
عندما كنت صغيراً وتبيع الجرائد
أهديتني جريدتان لأني لم أكن أملك
نقود من الفئات الصغيرة لماذا فعلت ذلك...!؟
فقال:- لا يوجد سبب محدد
ولكني عندما أعطي شيء دون مقابل
أشعر بالراحة والسعادة وهذا الشعور يكفيني
فقلت له: - أريد أن أرد لك جميلك فاطلب ما تشاء
فقال: - كيف...!؟
قلت: - سأعطيك أي شيء تريده..
فقال وهو يضحك: - أي شيء أريده.. هل هذا حقيقي..!؟
فقلت نعم:- أي شيء تطلبه
فقال: - شكراً لك يا سيدي
ولكني لست بحاجة لأي لشيء
فقلت له: - بل يجب أن تطلب فأنا أريد أن اعوضك
فقال لي: - يا سيد بيل غيتس
لديك القدرة لتفعل ذلك ولكن لا يمكنك أن تعوضني
فقلت له:- ماذا تقصد..!!
وكيف لا يمكنني تعويضك.؟؟
فقال: - الفرق بيني وبينك..
إنني أعطيتك وأنا في أوج فقري وحاجتي
أما أنت الآن تريد أن تعطيني وأنت في أوج
غناك وقوتك وهذا لن يعوضني..
ولكن لطفك هذا يغمرني فشكراً لك يا سيدي
يقول بيل غيتس:-
كلماته هذه جعلتني أشعر انه أغنى مني.!!
لأن أفضل أنواع العطاء..
هو العطاء الذي تعطيه وأنت محتاج
وهذا هو ما فعله الصبي معي لذلك هو أغنى مني.
هنا لابد من القول أن صفة العطاء صفة يمكن تنميتها في كل واحد منا، فهي ليست وراثية تأتي مع الجينات وإنما صفة مكتسبة تأتي بعد كبح جماح الشح في النفوس.. لأن الانسان بطبيعته ميالا إلى البخل والامساك، فهو يخاف الفقر والفاقة ان حدّث نفسه بعطاء أو انفاق.
يقول تعالى في محكم كتابه العزيز:
(قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا)
من هنا ندرك أن الشح هي الطبيعة الغالبة في البشر، جُبلت عليها النفوس إلا من رحم الله.
أما الشخصية المعطاءة فهي شخصية قادرة على البذل والعطاء، تستمتع بالعمل مع الآخرين، تعطي ما في وسعها للغير، ولا تنتظر شيئا مقابل عطائها، بل تعطي عن قناعة ورضا تام وهي في قمة سعادتها.
هل يقتصر العطاء على المال وحده؟ الجواب: كلا بالتأكيد، العطاء بالمال والعلم والمساندة والقوة ودفع الظلم والوقوف إلى جانب الناس في السراء والضراء، بل ويشمل كل مناحي الحياة، فالحب هو العطاء بعينه ولا عطاء بلا حب... ربما يسأل احدنا: ماذا لو أعطيت الآخرين ووجدت النكران منهم؟! لا بأس لنعطيهم حتى لو وجدنا تنكرا لمعروفنا، فمن يعطي ويصنع المعروف لله لا يضره كفران الآخرين.
ولنتذكر دائما ما من عطاء تجود به نفوسنا، إلا ويخلفه الله أضعافا مضاعفة، وما عند الله خير وأبقى.
اضافةتعليق
التعليقات