أمواتنا لهم قبور تزار ويقرأ عندهم القرآن والعزاء من دون حاجز أو سلاسل من حديد من دون أي تهديم أو ضرر. هل شعرت يوما بتلك الغصة عندما تجد قبر فقيدك مهدم؟ لا تجد أثر له من بين القبور؟ تبحث عنه، تحاول أن تعيد بناءه لكن هناك من يرفض ويهدم مرة أخرى .
هل سمعت أنين البقيع يوما؟ وأنت تقف عند قبر فقيدك .
هنا ستعرف ما معنى مظلومية البقيع فإذا كان انسانا عاديا لا يقبل بتهديم قبر ذويه وأقربائه فكيف يقبل عقله وقلبه أن يرى من هم أعلى مكانة وعلما وشرفا من في الأرض جميعا مهدمة قبورهم لا ضوء يشار إليهم ولا علامة تدل من بعيد وخلف الزنزانة تنظر لتلك الحجارة التي وضعت شاهدا على قبورهم بينما قبور أحبائنا عامرة بتلك الشواهد بينما النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحياناً كان بنفسه يعلّم على قبر المدفون بعلامة كما كان البناء على قبور الأولياء معتاداً منذ ذلك الزمان، فكانت عشرات منها في المدينة المنورة ومكة المكرمة وحولهما وقد تلقى جميع المسلمين بكل حفاوة وترحاب هذه الظاهرة الشرعية لا في المدينتين وأطرافها فحسب، بل في سائر بلاد الإسلام كالهند بما فيها الباكستان وبنغلادش، وكذا العراق وايران ومصر وسوريا وإندونسيا وغيرها.
إلى أن هدم الوهابيون أكثرها في الحجاز منذ مئتي سنة، ثم استرجعها سائر المسلمين، وبعد زهاء ثمانين سنة استولى الوهابيون على البلدين المقدسين مرة ثانية وهدموا القباب وأحرقوا المكتبات! وكانت فيها كتب ثمينة جداً ..
ولو كان دأب الوهابيين أو كان إيحاء من الخارج إليهم بهدم المساجد لهدموها أيضاً.
كما أنهم أرادوا هدم قبة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لكن تظاهر المسلمون في الهند ومصر ولعل غيرهما أيضاً، أوقفهم عن ذلك في قصة معروفة، وهم يحنّون إلى ذلك إلى الآن، حتى أن عالمهم (بن باز) لا يزور مسجد الرسول قائلاً: ما دام هذا الصنم (أي قبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هناك لا أزوره، لكن الزمان مرّ عليه ولا يأبه بكلامه أحد.
البقيع قبل الهدم
الأئمة الأربعة (عليهم السلام) في قبة، وتزار فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) في بقعتهم حيث من المحتمل أنها دفنت هناك، كما يحتمل أنها (عليها السلام) دفنت في بيتها، ولعل أمير المؤمنين (عليه السلام) حمل صورة جنازة إلى عدة أماكن، كما حمل الإمام الحسن (عليه السلام) صورة جنازة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى البصرة.
ومن هنا لا بأس بزيارة الصديقة الطاهرة (سلام الله عليها) في البقيع، وفي المسجد، وفي بيتها وذلك لخفاء القبر الشريف، وسيظهر إن شاء الله تعالى عند ظهور ولدها الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وإن كان من المحتمل إخفاء قبرها (سلام الله عليها) إلى يوم القيامة ليبقى سنداً على مظلوميتها طول التاريخ.
وكان في نفس تلك القبة مدفن العباس عمّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وكانت خارج القبة بفاصلة قليلة قبةٌ مبنية على بيت الأحزان، حيث كانت الزهراء (سلام الله عليها) تخرج إلى ذلك المكان وتبكي على أبيها.
وكانت تشتمل مقبرة البقيع على قباب كثيرة، مثل أزواج النبي وأولاده وبناته ومرضعته (صلى الله عليه وآله وسلم) حليمة السعدية، وكانت هناك قبة فاطمة بنت أسد (سلام الله عليها) والدة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقبة أم البنين (سلام الله عليها زوجة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وقبتها قرب قبة عمات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت أيضاً قبة جابر بن عبد الله الأنصاري، وغيرهم مما هو مذكور في التاريخ.
باب خيبر
كما أن أستاذنا الشيخ علي أكبر النائيني(رحمه الله) ذكر لي أنه كان بقرب حصن خيبر (باب خيبر) وقد كان من المرمر الكبير وكان بعيداً عن الحصن قرابة أربعين ذراعاً..
وقال: كلما ذهبنا في سفرتنا إلى الحج كنا نزور هذا الباب تبركاً بما ورد من أخذ الإمام (عليه السلام) له ورميه هناك. ولما استولى الوهابيون قطّعوا هذا الباب قطعاً وذهبوا بها عملاً بما أملي لهم، وبعد ذلك لم نجد له أثراً.
ويقع البقيع في طرف الجنوب الشرقي من مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد اتسعت البقيع لكثرة من دفن فيها، فأدخلت فيه أراض كثيرة، وأول أرض اتصلت به محل دفن عثمان، وله قصة مذكورة في التواريخ.
وقد أخذوا بمحاربة البقيع وما تبقّى من آثار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حتــى منعت الحكومة الصلاة فــي البقيع، وزيــارة الــنساء لــه، وإضاءة مـــصابيح في الليالي وما أشبه ذلك، مما ليس إلا رأياً واحداً تبنّته الحكومة وحملته على المسلمين ـ كذباً وافتراءً ـ وهم ملياران، والوهابية لا تزيد على حفنة قليلة جداً.
وبلاد السنة والشيعة كلها بريئة من مثل هذه الأمور وإلى الله المشتكى.
لماذا تخريب البقيع؟
الذين هدموا بقاع البقيع وسائر البقاع المباركة لم يفعلوها إلا بالسيف من دون أي منطق عقلائي، وهذا خلاف سيرة جميع الأنبياء والمرسلين والأئمة الصالحين (عليهم السلام).
إنك تجد نوحاً (عليه السلام) لم يحارب بالسيف، وهكذا ابراهيم (عليه السلام) ، وهكذا موسى (عليه السلام) وعيسى (عليه السلام) ، ومن بعدهم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
نعم إنما حمل (صلى الله عليه وآله وسلم) السيف دفاعاً وذلك عندما حمل المشركون السيف ضده، فدافع عن الإسلام ضد المحاربين الذين أرادوا اجتثاث الإسلام والمسلمين بالسيف، وأمير المؤمنين علي(عليه السلام) حارب الذين حاربوه وعندما ظفر عفى عنهم.
وباقي الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) لم يستعملوا السيف إطلاقاً إلاّ الإمام الحسن (عليه السلام) والإمام الحسين (عليه السلام) في الدفاع كما ثبت ذلك في التاريخ.
ولو كانوا يستعملون السيف لم يكن لهم ذكر حسن، كما ذهب فرعون ونمرود وهيرودس وأبو جهل ومن أشبههم أدراج الرياح. إن المنطق هو الذي يصلح للبقاء، وإلا فصاحب السيف يسقط حين يسقط سيفه، والسيف مؤقت جداً.
وبقاء القبور المباركة مهدومة دليل على أنه لازال السيف بيد الهادمين إلى الآن ولكن عندما يسقط السيف من أيديهم، ستجد المسلمين جميعاً في نفس اليوم آخذين في البناء.
وقد ورد في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام): (وفي قلب من يهواك قبرك).
هذا بالنسبة إلى القبور الطاهرة، أما الكتب الكثيرة الثمينة المخطوطة التي أذهبوها بالإحراق ونحو ذلك فلا يمكن إعادتها حتى بعد اسقاط السيف من أيديهم.
وهكذا الكثير من آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والتراث الإسلامي كـ(باب خيبر) الذي قلعه أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، وقد كان الباب موجوداً إلى قبل تسلطهم على هذه البلاد الطاهرة.
أدلة العقل في الأزمان باقيــة وليس يذهب إلاّ السيف والحجر
إن هارون والمتوكل ومن إليهما أعملوا كل ما لديهم من سلاح ومال لهدم قبة الحسين (عليه السلام) لكنهم ذهبوا إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، والقبة النوراء باقية بأجلى مظاهرها وستبقى إلى يوم يبعثون.
لا للخشونة والسباب
ومن الغريب أن البلدين الطاهرين وهما أفضل بقاع الأرض ومشرق الإسلام والأخوة الإسلامية ومهبط الوحي صارا محلاً لسباب كل المسلمين بـ :
(مشرك) و(كافر) و(زنديق) وما أشبه..
منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا، ولم يسمع في أي بلد آخر في العالم الإسلامي وغيره هذه الكثرة من السبابات على طول التاريخ المحفوظ إلى الآن.
وقد رأيت أنا سنة ذهابي إلى الحج رواج مختلف أنواع السباب وأنواع الخشونة إلى حد غريب من أناس يدّعون أنهم أتباع القرآن! الذي يقول: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) ويقول: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم) ويقول: (لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولاتلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب) ويقول.. ويقول...
وإني بنفسي قد نلت من سبابهم وخشونتهم الشيء الكثير.
وكان الشرطي الموكل بالعبور يضرب بعصاه الغليظة السيارات الظريفة بما لا يرضى أصحابها، فكانت تتأثر بتلك الضربة. هذا وقد قال أحد الصحابة مخاطباً شخصاً: يابن السوداء! فقال له الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): يا فلان أفيك جاهلية؟
وقال أمير المؤمــنين علي (علـــيه السلام) حـــيث سمـــع أن بعض أصحابه يسب من حاربوه: (اني اكره لكم أن تكونوا سبابين) والحاصل إن هؤلاء كأنهم أرادوا أن يعرف الناس أخلاق الإسلام من باب (وبضدها تعرف الأشياء)!!.
ونتيجة لذلك العنف والخشونة التي ما أنزل الله بها من سلطان، وبأمر من المستعمرين جاء هدم البقيع وسائر البقاع المشرفة هناك وفي حادثة يرويها المرجع الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي حول سعي [الشهيد السيد حسن الشيرازي وكان (رحمه الله) يذهب إلى الحج كل سنة لأهداف تبليغية عالية.
وقد التقى بالسعوديين وضغط عليهم لأجل تعمير البقيع الغرقد ووعدوه بالسماح لتعمير البقيع، وذلك بعد جهد وتعب كثير ومناقشات ومحاورات مع كبار رجالهم وفقهائهم ، وبعض الجهات في العراق منعت عن ذلك بالمال الكثير والإغراء وما أشبه، وكانت الجمعية العراقية التي منعت عن ذلك أناساً من الشيعة! بمعاونة من حكومة العراق.
وذات مرّة وفي حوار عقائدي مع جماعة من علماء الوهابيين دار الكلام بينه وبينهم حول الخلافة، فقال كبيرهم: يا فلان إذا أنزل الله جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله وأمره بنصب علي عليه السلام خليفة من بعده، لم أقبل منه !! مظهراً بذلك شدة تعصبه ضد الشيعة والتشيع.
اضافةتعليق
التعليقات