من الدروس التي استوعبها الفكر الغربي عن شخصية الإمام علي (عليه السلام) هو تطبيق قانون العدالة الإنسانية في الشريعة الإسلامية في زمن كانت فيه العبودية والطغيان تعلو على الجميع بينما كانت عدالة الامام علي (عليه السلام) المنقذ الأول، حيث طبقوا كلام الإمام ورسائله وجعلوا منها منهاجاً لتطبيق العدالة.
منهم المفكر والفيلسوف الأمريكي" إمرسون" الذي كان بمثابة الأب الروحي لعملية استقلال أمريكا عن بريطانيا العظمى، فقد كان هذا الفيلسوف الأمريكي "١٨٨٢م-١٨٨٣م" شديد التأثر بمبادئ وعدالة الإمام علي (عليه السلام) الإنسانية وبمنظومته الفكرية الشاملة، وقد حاول أن ينقل شيئاً من أفكار ومبادئ الإمام علي (عليه السلام) إلى عقول وقلوب الشعب الأمريكي من خلال مقالاته وقصائده ومؤلفاته الفكرية الأخرى.
إن هذا الفيلسوف الأمريكي "إمرسون" الذي كان يؤمن أن كل إنسان هو باب ومدخل إلى العقل الكوني، كان على صلة وثيقة بالإمام الكوني وبكل كلمة من كلماته الخالدة، وقد صرح بذلك في مقالة له بعنوان "الذات الحق".
عندما اطلع ذلك الفيلسوف الأمريكي على كلمات حكيم الإسلام علي (عليه السلام) تغير فكره وكيانه، وكانت الومضة المضيئة لحياة هذا الرجل، ومن الجدير بالذكر أن "إمرسون" هذا كان بالإضافة إلى كونه فيلسوفاً وشاعراً وأديباً، كان أيضاً رجل دين عالي المقام في "كنيسة بوسطن الموحدة".
وبالرغم من احترامه وتقديره لديانته وعقيدته المسيحية وللسيد المسيح (عليه السلام)، إلا إنه لم يقبل أن يفرض على عقله أي حصار أو حجرٍ فكري بحيث يمنعه من تقبل أي فكر نيّر يمكن أن يأتيه من الخارج. وعن هذه النقطة بالتحديد يشير الباحث الأمريكي"يان ريشار" إلى حقيقة إن المسلمين الحق، سليمي النية يتخذون من علي (عليه السلام) نموذجاً، كما لو أنه، حتى في القرن العشرين، لا يزال أمثل صورة للنظام الإسلامي السياسي.
في شخصية الامام علي (عليه السلام) جوانب كثيرة نحن بحاجة إليها بعيدا عن ما هو مطروح في هذه الأيام.
في مجتمعنا اليوم نحن بحاجة إلى هذه الجوانب التي عالجها الامام علي في حكومته الرائدة حتى أصبح نموذج الحاكم العادل في الدولة الاسلامية مع اختلاف الديانات التي كانت في حكومته (عليه السلام) لم نجد هناك مسيحي مات من الجوع، أو يهودي قد اعتقل بتهمة ديانته، أو مسلم تعرض لسرقة، الجميع يعيش في سلام وأمان، وقد نقل لنا التاريخ حقبة عن عدل الإمام علي (ع) في حكومته، حتى قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفي وكف علي في العدل سواء، و"يدي و يد علي بن أبي طالب في العدل سواء، و"إنه أوفاكم بعهد الله تعالى، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية.
ولقوله (عليه السلام): "والله، لأن أبيت على حسك السعدان مسهدا، أو أجر في الأغلال مصفدا أحب إلي من ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد، وغاصبا لشيء من الحطام. والله، لو اعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصى الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته.
من أهم القوانين التي كتبها الامام علي (عليه السلام) إلى مالك الاشتر بن النخعي عندما ولاه الحكم على مصر، كانت تتضمن محاور عدة منها كيفية إدارة وسياسة الدولة، الاهتمام بحق الشعب وعدم اهمالهم، وتلبية طلباتهم، تشريع بعض القوانين النافعة في الزراعة والحصاد وكيفية القضاء على الفقر، واحترام الديانات الاخرى والمعاملة بالحسنى، وهو يمثل نظاما وقانونا ناجحا، وقد نقل هذا العهد مجموعة من العلماء، منهم محمّد بن الحسن الطوسي من أعلام القرن الخامس فيذكر الشيخ الطوسي سنداً صحيحاً عند المشهور للعهد، وكذلك النجاشي، ورواه الشريف الرضي أخو الشريف المرتضى في كتاب نهج البلاغة، ورواه أيضاً ابن أبي شعبة الحرّاني –الذي كان يعيش في أواسط القرن الرابع المعاصر للشيخ الصدوق في كتابه تحف العقول، إذن عهد مالك الأشتر له العديد من المصادر.
كلام الامام علي (عليه السلام الى مالك الاشتر): وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، أونظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنّك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك! وقد استكفاك أمرهم، وابتلاك بهم» علي ابن ابي طالب.
رسالة الامام علي وتطبيقها في الأمم المتحدة
" اعتمدت الرسالة في الأمم المتحدة كونها من أوائل الرسائل الحقوقية والتي تحدد الحقوق الواجبات بين الدولة والشعب؛ هذا العهد وصل إلى أذن الأمين العام للأُمم المتحدة عبر زوجته السويدية، وقد قال الأمين العام للأمم المتحدة: إنّ هذه العبارة من العهد يجب أن تعلّق على كلّ المؤسسات الحقوقية في العالم، والعبارة هي: "وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننَّ عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق".
وهذه العبارة جعلت كوفي عنان ينادي بأن تدرس الأجهزة الحقوقية والقانونية عهد الإمام لمالك الأشتر، وترشيحه لكي يكون أحد مصادر التشريع للقانون الدولي، وبعد مداولات استمرّت لمدّة سنتين في الأمم المتحدة صوّتت غالبية دول العالم على كون عهد علي بن أبي طالب لمالك الأشتر كأحد مصادر التشريع للقانون الدولي وقد تمّ بعد ذلك إضافة فقرات أُخرى من نهج البلاغة غير عهد علي بن أبي طالب لمالك الأشتر كمصادر للقانون الدولي".
اضافةتعليق
التعليقات