في مشهدٍ لا نراه كثيرا حدث في أحد المتنزهات العامة لزوجين بان على ملامحهم عبور أربعة عقود حين ركبا لعبة التوازن (صاعد ـ نازل) المخصصة للأطفال في غمرة من الضحك والانشراح، هناك من تبسم وأنا منهم إيماناً مني أن الأرواح التي تعرف معناها تخلق أجواءً من الراحة والسعادة دون قيود في كل مكانٍ وزمان، ومنهم من لووا أفواههم اعتراضا وهزّوا أكفهم استهزاءً.
فيما اكمل الزوجين لعبتهم وانطلقا يكملان حديثهم بابتسامة عريضة غير مبالين بمن يوافق ويعترض. كثيرا ما نهمل أو نتردد في تنفيذ رغبة معينة تخلق لنا وضعا مفرحا بداعي الخوف من الرأي الجمعي المجتمعي.
ليس هناك عمرٌ يطفئ حماس الانسان ويخمد وهجُه ويخفت لهيب الشغف والتجديد والتجربة، مادام القلب نابضا بالحياة يستطيع الإنجاز والعطاء، إن المجتمع المحكوم بالعرف القبلي محدود التفكير يؤطر تحركات الإنسان إذا بلغ عمرا متقدما يطفؤون بداخله المحاولات ويضيّقون مساحة المتعة بكلمة (لا يجوز)، وتكون المرأة الأكثر تدقيقا في تحركاتها.
سهام القيل والقال من الألسن الذكورية والأنثوية تخترق الهمم والطموحات والأحلام والاختلاف، ولعل اللسان الأنثوي أشد وأمضى، فالذكور بقبضتهم القوية وتسلطهم في المجتمع جعلوا لكل تحركاتهم معنى وغاية لا يرفضها ولا يختزلون رغبات ومتع أبناء جنسهم إلى حد أكبر وتفهم أوسع وأشمل من ما يكون بين جنس النساء.
وضعت المرأة في اطار محدد يتلائم مع رغبات المجتمع، وإذا ماتت تألموا عليها وقالوا: (مسكينة لم ترَ شيئا يسعدها في حياتها)!. فلا تسلم من دخلت سن الأربعين مثلا إذا اهتمت بشكلها وملبسها اتهموها بالمراهقة وخفة العقل ووضعوا شكوكا كثيرة حولها، والويل لها إذا علم أحدهم بل حتى أقرب الناس لها أنها تود الزواج فهذا معيب في كل الأحوال إذا كانت ارملة أو مطلقة أو عزباء، ووفقا لحكم الأعراف يمنعون شرع الله عليها الذي اجاز الزواج دون تحديد وذكر الأعمار.
إن الخوف من الانتقاد وعدم التشجيع يؤدي إلى عادة نزوليه لكل ما يغري حماسة الانسان نحو التجربة والتغيير، والخشية والتردد تكون السداد لإرضاء الآخرين فتقود الأرواح تدريجيا إلى اطفاء النشاط والتكاسل في المحاولة واطفاء لهيب متعهم والتحول لروح هامدة حتى وإن كانت تلاحقها الرغبة في رؤية جماليات دروب مدهشة فهي تفهم مقاصد القادم من المحيطين فتتنازل عن الغايات.
كل مرحلة عمرية لها أحكام في التعامل والتصرفات والأحلام والطموحات والمسؤوليات والأخذ بهذه الاعتبارات كنسق سلوكي اجتماعي عين العقل والادراك، ولكن لا ينصاع الواعين للقيود التي تفرض حسب الأهواء دون برهان منطقي لسوئها.
إن الروح التي تعرف معناها تنبض بالحياة والتغيير والتطلع والأمل وتقودها المعرفة والنضج الفكري لتفحص ما تريد وما تحب لفعله دون خوف، وتحفيز كل طاقاتها ليستمر ينبوع الإنعاش وترميم أضرار التجارب في الأخذ والعطاء، وتغذي مشاعرها بتذوق الجمال في مختلف مجالات الحياة والعلاقات الإنسانية، وفي اصرار مستمر لإحياء الراحة والطمأنينة في داخلها.
اضافةتعليق
التعليقات