نقرأ في دعاء زمن الغيبة هذه الفقرات: [وَلا تُنْسِنا الاِيمانَ بِهِ وَقُوَّةَ اليَقِينِ فِي ظُهُورِهِ؛ حَتّى لا يُقَنِّطَنا طُولُ غَيْبَتِهِ مِنْ قِيامِهِ، وَيَكُونَ يَقِينُنا فِي ذلِكَ كَيَقِينِنا فِي قِيامِ رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ](١)، فهي -كما يبدوا- تبين لنا مفاتيح الثبات في زمن الغيبة وانتظار إمامنا الحجة (عجل الله تعالى فرجه).
فالداعي بها هو من أهل الإيمان ولكن ممن يطلب الثبات والاستقامة على هذا الإيمان، فهو ممن يخشون الغفلة والنسيان فيطلبون التنبيه والتذكير الإلهي الدائم لهم ليبقوا ويقضي الإيمان بهذا الاعتقاد.
ثم يأتي الطلب الآخر فبتحقق الإيمان يتحقق الإيقان، لذا هم لا يطلبون اليقين بل يطلبون قوة اليقين معللين ذلك بامتحان طول غيبة إمامهم، نعم هم موقنون بوجوده وتحقق ظهوره، ولكن امتحان طول غيابه قد يجعل هذا اليقين يضعف، بل وقد يتحول من اليقين بقيامه إلى القنوط بقيامه -والعياذ بالله تعالى- وهذا تنبيه خطير لكل مؤمن موقن إن الثبات غير مضمون من دون طلب التحصين، فقد يتحول في يوم من الأيام يقينه إلى اليقين بقيام دولة الجور لا العدل!.
وهذا يبين حجم صعوبة التمحيص والغربلة التي سيمر بها أهل اليقين على أثر الاستضعاف الذي سوف يعيشونه في غيبة الإمام من جهة، ومن جهة أخرى صعوبة تحمل ما سيرونه من تسيد واستعلاء وتمكن سلطة دولة الجور، فقوة اليقين بما نؤمن به من تحقق الوعد الإلهي الذي هو من أمور الغيب هو ما ينجي مع كل ما يراه من غلبة الأسباب المادية التي قد توصله للشك بتحقق ذلك الوعد.
ومفتاح ذلك كما تبين تتمة الفقرات هو يقيننا بقيام نبي الرحمة {صلى الله عليه وآله}، فالذي يتتبع سيرة قيام الإسلام وتشييد دولته على يدي خاتم الأنبياء، وكيف حصلت الانتقالة من الجاهلية إلى الدولة الاسلامية، لا يضعف يقينه بسنن الله تعالى الحاكمة في كل زمان، والجارية على كل مرسل وإمام.
ويقيننا بقيام النبي {صلى الله عليه وآله} موجب لتحقق اليقين بكل ما جاء به، وما أنزل عليه، وما أنبأ عنه، وتحقق قيام دولة العدل على يد إمام العصر هو وعد أنبأ عنه النبي الخاتم {صلى الله عليه وآله}، فاليقين بقيام الحجة الخاتم هو امتداد ليقيننا بقيام النبي الخاتم.
فهو القائل (صلوات الله عليه): «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلا مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا»(٢).
ومما يؤكد على دور وأهمية قوة اليقين هو قول الإمام السجاد، عن أبيه، عن جده علي بن أبي طالب (عليهم السلام) أنه قال: «وإن للقائم منا غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، فلا يثبت على إمامته إلا من قوى يقينه وصحت معرفته»(٣).
لذا فالإيمان بأن حاكمية الإمام (عجل الله فرجه) وولايته هي... هي ذاتها في غيبته وظهوره، هو ما يعطي ثبات وقوة في النفس للمؤمنين به، فعن امامنا الصادق (عليه السلام): «وقد علم أن أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنهم يرتابون ما أفقدهم حجته طرفة عين»(٤)، فعندما يكون للموالي قوة اليقين هذه لن ينال منه الارتياب أبدًا.
فلا يُولد غياب شخص الإمام (عجل الله فرجه) عن المجتمع تصور إن الخليقة بلا راعٍ ووالٍ بل هو مصدر قوة المؤمنين به، حافظهم والمحيط بشؤونهم، والدافع للبلايا عنهم، ولكن ليس بالشكل الذي يتصوره البعض وهو فعل الإعجاز إنما وفق الأسباب الطبيعية. فلابد من حصول موازنة في اليقين بين قدرة الإمام الغيبية التامة، وبين التسليم لحكمته لإدارة شؤون هذا العالم.
اضافةتعليق
التعليقات