جاء في كتاب بحار الأنوار نقلا عن محمد بن مسلم: عن الإمامين الباقر والصادق (صلوات الله عليهما) أنهما قالا: (إن الله سبحانه وتعالى عوض الحسين (عليه السلام) من قتله بأن جعل الإمامة في ذريته والشفاء في تربته واستجابة الدعاء عند قبره ولا تعد أيام زائره ذاهباً وراجعاً من عمره). 1
معنى التعويض
تكررت كلمة التعويض في الروايات المأثورة عن المعصومين (صلوات الله عليهم)؛ لكن ما معنى التعويض؟ لقد جرت سنة الله سبحانه وتعالى في هذا الكون على أن لا يضيع عمل عامل، وهذه الشعبة تُعدّ فضلاً من الله تعالى وجُوداً منه للإنسان، لكن هل هنالك فرق في أن يكون هذا العامل عادلاً أو فاسقاً، مؤمناً أو كافراً؟
الإجابة هي النفي؛ فإن الله تعالى لا يضيع - في هذه الحياة ـ عمل العادل والمؤمن، كما لا يضيع عمل الفاسق والكافر أيضاً، كما لا فرق في العامل أن يكون ذكراً أو أنثى، بل حتى وإن كان العمل لغير سبيل الله تعالى.2
ثم إن التعويض الذي يعطيه الله سبحانه وتعالى للإنسان المؤمن ليس فقط في الآخرة، وإنما في الدنيا أيضاً، فإذا دخلت بيتك يوماً ما واستفزتك زوجتك ثم كظمت غيظك أو حصل العكس، فإن الله يجازي كظم الغيظ ويعوض صاحبه، بحيث يرى (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ)، فالذي يبني مسجداً يراه هو التعويض وليس غيره بعينه أمامه، كما يراه من بعده أولاد صاحب المسجد ، بل حتى إذا قام الإنسان بعمل في الليل المظلم وفي السر، فإنه سيرى نتيجة ذلك العمل.
أبعاد العطاء
إذا كان الله سبحانه وتعالى يعوّض العامل الكافر بهذه الدقة، فما بالنا إذا كان هذا العامل مؤمناً بل كان ولياً من أولياء الله؟ وما بالنا إذا كان هذا العامل أحد الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وهم صفوة هذا الكون وهم خيرة الله سبحانه وتعالى: (وإنهم عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأخْيَارِ). إن لعطاء الإمام الحسين (صلوات الله عليه) عدة أبعاد:
الأول: المعطي
فقد كان الإمام (عليه السلام) واحداً من أربعة عشر معصوماً وهم صفوة هذا الكون، ولأجلهم خلق الله الكون.
الثاني: العطاء
فقد يكون عطاء الإنسان واحداً في الألف، فيعوضه الله تعالى، وقد يكون العطاء واحداً في المائة فيعوضه الله تعالى، وقد يُقدّم الإنسان شيئاً ثميناً وعظيماً فيعوضه الله تعالى، وقد يقدم الإنسان كل ما يملك في سبيل الله، وهذا كان عطاء الإمام الحسين (صلوات الله عليه) إذ كان عطاء بلا حدود.
الثالث: كيفية العطاء
قد يحصل أن يموت لإنسان ما - لا سمح الله - جميع أولاده في حادث غرق في البحر أو زلزال أو ما أشبه، وربما يأتي لإنسان ما خبر أن ابنه قُتل بسبب حادث وقع.
وقد يقوم الإنسان بالعطاء الخالص لله تعالى في نفسه وفي أهل بيته وولده ، فيقدم نفسه وأهله وأولاده قرباناً في سبيل الله تعالى، فيُقتلون بأجمعهم واحداً تلو الآخر وبتلك الطريقة البشعة، وهو ما حصل لعلي الأكبر (صلوات الله وسلامه عليه) حيث قطعه الأعداء بسيوفهم إربا إربا، ثم قتل شخص آخر وهو ابن أخيه، وهكذا وهذه الكيفية من الموت تفت في عضد الإنسان، لذا فإن الإمام الحسين (صلوات الله عليه) من أعظم الأشخاص في الكون عطاءً، لأن عطاءهُ كان من أعجب كيفيات العطاء، لذا نقرأ في الزيارة: (بأبي المهموم حتى قضى....) (١) وفي المقابل عوضه الله تعالى.. بهذا التعويض الكبير، والذي نقله محمد بن مسلم في روايته، وهو لم يكن راوياً عادياً، وإنما كان أحد أبرز أصحاب الإمامين الباقر والصادق (صلوات الله عليهما) ومن العلماء الكبار لكن المذكور في الرواية ليس كل التعويض، وإنما بعض من التعويض، حيث هناك روايات اخر تذكر جوانب أخرى من التعويض الإلهي للإمام الحسين (صلوات الله عليه).
اضافةتعليق
التعليقات