• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

علمتني كربلاء: مذكرات طفلة في طريق الأربعين

زينب شاكر السماك / الثلاثاء 12 آب 2025 / ثقافة / 261
شارك الموضوع :

وبين سؤال وسؤال، كان قلبها يزداد نضجًا، وولاؤها يترسّخ، وحب الحسين يُروى من عطش الطريق وعرق الأقدام

لم يكن ذلك الصباح كأي صباح. كانت شمس الصيف قد اعتلت عرش السماء مبكرًا، تنفث لهيبها فوق الرؤوس كما لو أنها تختبر صبر عشاق الحسين (عليه السلام). لكنهم لم يبالوا، ولم تتراجع أقدامهم عن المسير. ومن بين الجموع الزاحفة نحو كربلاء، كانت يدٌ صغيرة تشدّ طرف عباءة أمها، وتمشي إلى جوارها بخطى قصيرة، لكنها واثقة. تلك هي رقية، ذات التسع سنوات، في أولى تجاربها مع زيارة الأربعين مشيًا على الأقدام.

بثوبها الأسود الطويل، وحجابها الذي التفّ بعناية فوق جبينها الصغير، بدت كنجمة صغيرة في سماء العزاء، تتقد وقارًا، رغم طفولتها. علّقت أمها بروشًا صغيرًا على صدرها كتب عليه: "لبيك يا حسين"، فأخذت رقية تتحسّسه بأناملها كل حين، وكأنها تتأكد أن الانتماء لم يُنتزع منها.

سارتا معًا، وكان الحرّ شديدًا حتى كأن الهواء يُقرض الوجوه بسنابك من نار. ولكن رقية، رغم التعب، كانت تسأل، وتفكر، وتُثير الدهشة في أمها. قالت وهي تمسح عرق جبينها الصغير:

ــ "أمي، لماذا نمشي كل هذا الطريق ونحن نعاني من حرارة الشمس؟ أليس بالإمكان أن نركب سيارة أو نستريح؟" تبسّمت الأم وقالت: " يا رقيّتي... إن السير على الأقدام هو جزء من التعبير عن حبنا وإخلاصنا للإمام الحسين (عليه السلام). هذه المشقة التي نشعر بها تُعلمنا الصبر، وتعطينا فرصةً لنتقرب منه أكثر. المشي ليس مجرد حركة، بل هو لغة القلوب التي تهفو إليه." لكن الحرّ شديد يا ماما، قدمي تؤلمانني.

جلست الأم على في احدى المواكب وشربت الماء وأعطت رقية لتشرب، ومسحت جبينها بقطعة قماش مبلّلة بالماء، وقالت: أتعرفين يا صغيرتي؟ حتى الحرّ في هذا الطريق له معنى. هو حرارة الشوق، ونارُ الفقد التي عاشتها زينب (عليها السلام) وهي تمشي مكبّلة بين الكوفة والشام. نحن لا نمشي تحت الشمس فقط، نحن نحمل شمس الحسين في قلوبنا.

"ماما... لماذا نحب الحسين أكثر من غيره؟ تنفّست الأم بعمق، وكأنها تحتضن السؤال بكل جوارحها، ثم قالت: لأنه علمنا كيف نكون أحرارًا. علّمنا أن لا نخاف من الظالم، أن نعيش بكرامة أو نموت بعزّة. الحسين لم يكن فقط رجلاً في معركة، كان مدرسة لا تنتهي. حين تقرئين سيرته، تشعرين أن قلبك ينمو ويكبر ويضيء.

"ماما... هل الامام الحسين (عليه السلام) يسمعنا؟".. نظرت الأم إلى السماء، ثم إلى عيني رُقيّة، وقالت:

"بل هو معنا. هو في نَفَس كلّ من نادى بإسمه، وفي قطرات العرق على جبينك، وفي دمعة أمّك، وفي قبضة يدك الصغيرة وهي لا تفلت هذه الراية."

تابعتا السير، وكان الطريق يزداد ازدحامًا بالمحبين، الأعلام ترتفع، والمواكب تنثر ماءً وتمرًا...

ثم أشارت الأم بيدها إلى موكب صغير يوزّع العصائر، وأضافت: "هاهم أبناء الحسين (عليه السلام) لا يدَعون عطشًا ولا جوعًا يطول. موكبٌ بعد موكب، كلّهم خدم الحسين، كلّهم يطعمون ويعالجون ويرشّون الماء، وكلّهم فقراء أمام عطش الحسين." سألت رقية بدهشة:

ــ "وهؤلاء الذين يسقوننا، لماذا يفعلون ذلك مجانًا؟"

ــ "لأنهم يتمنّون أن يكونوا كالعباس، ساقي عطاشى كربلاء. هم لا يريدون شيئًا إلا الأجر، وشرف الخدمة."

ثم بعد قليل، حين مرّت أمام طفلٍ يبكي، وقد أضناه التعب، توقفت فجأة وقالت: "ماما، لو كنتُ في كربلاء زمن الإمام الحسين، هل كنتُ سأُقاتل؟"، أخذت الأم نفسًا عميقًا، وقد فاجأها السؤال، ثم جلست على جانب الطريق، وسحبت رقية لتجلس إلى جوارها تحت ظل نخلة قديمة.

قالت بنبرة حنونة: "ربما لم تكوني لتقاتلي، ولكنك كنتِ ستبكين، وتواسِينَ، وتدافعين بكلماتك، وتخدمين الزائرات، كما تفعلين الآن."

أمسكت الطفلة بطرف عباءتها وقالت: "إذن، خدمتي لأهل البيت مثل القتال؟"

"نعم يا رقية، كل من خدم الحسين بصدق، كأنه شارك في كربلاء، لأن كربلاء ليست معركة بالسيوف فقط، بل معركة بالوفاء والعقيدة والتضحية."

واصلتا المسير، وكانت الشمس تلتهب أكثر، ولكن العشق كان يطفئ لهيبها في القلوب. وفي كل مرة كانت رقية تسأل، كانت الأم تجيب بدروس خالدة. "ماما، لماذا كل النساء يرتدين السواد؟"

ــ "لأن السواد هو لون الحزن، ونحن نحزن على الحسين كأن المصيبة وقعت الآن، وكل عام، وكل لحظة... لا يبرد هذا الجرح يا صغيرتي، لأنه جرح للحق في قلب البشرية."

وقبل أن تغرب الشمس، رأت رقية طفلةً صغيرة تحمل علمًا أسود وقد كتبت عليه "يا لثارات الحسين"، فسألت أمها: "ما معنى يا لثارات الحسين؟"

تنهدت الأم، وقالت: "معناها أن الحسين قُتل مظلومًا، وأننا ننتظر من يأخذ بثأره، لا بالقتل، بل بالعدل. ونحن نُعدّ أنفسنا لنكون أنصارًا للعدل في زمن الإمام المهدي، لنُظهر للعالم حقيقة كربلاء."

وفي لحظةٍ خاشعة، رفعت رقية عينيها للسماء، وقالت بهمس:

ــ "يا حسين، اجعلني من خدامك، ولو كنت صغيرة."

وهكذا، واصلت رُقيّة سيرها، في درب ليس له نهاية إلا في قلوب الأوفياء. كانت تمشي بجسدها الصغير، ولكن روحها كانت تتسع كربلاء كلها. وبين سؤال وسؤال، كان قلبها يزداد نضجًا، وولاؤها يترسّخ، وحب الحسين يُروى من عطش الطريق وعرق الأقدام.

الطفل
زيارة الاربعين
الامام الحسين
قصة
الحب
الشيعة
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    مناهل الأربعين.. فتنافسوا في زيارته

    زوار الحسين: فضل عظيم وشرف أبدي

    ساعي بريد الحزن

    دراسة أمريكية جديدة: الشفاء من السكري ممكن .. ولكن!

    رأس البيشة

    "خيمة وطن" نقطة ارتكاز إعلامية وصحية في عولمة القضية الحسينية

    آخر القراءات

    غانم المفتاح: المعجزة

    النشر : الأربعاء 07 كانون الأول 2022
    اخر قراءة : منذ 4 ثواني

    عرس وشهادة

    النشر : الثلاثاء 08 ايلول 2020
    اخر قراءة : منذ 7 ثواني

    في أوقات الصيف الحارة.. تعرّف على  فوائد ماء جوز الهند

    النشر : الخميس 03 آب 2023
    اخر قراءة : منذ 11 ثانية

    غيَّر فينا الكثيرَ دون أن نشعر.. هذا ما فعله الهاتف الجوال بحياتنا

    النشر : الأربعاء 01 آذار 2017
    اخر قراءة : منذ 24 ثانية

    كيفية التعامل مع الذين يعانون من الكذب المرضي؟

    النشر : الخميس 24 ايلول 2020
    اخر قراءة : منذ 24 ثانية

    طفلي يسرق!

    النشر : الأربعاء 27 تموز 2016
    اخر قراءة : منذ 25 ثانية

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    بين طموحات الأهل وقدرات الأبناء.. هل الطب هو الخيار الوحيد؟

    • 911 مشاهدات

    زيارة الأربعين: قرار المشروع المهدوي

    • 504 مشاهدات

    نصائح طبية مهمة للمشاة في زيارة الأربعين لضمان سلامتهم الصحية

    • 415 مشاهدات

    مرحبًا بك في العالم الذي لا يُجدي فيه الذكاء وحده

    • 380 مشاهدات

    سوق الأرواح.. حين تنطق الأحجار في كربلاء

    • 354 مشاهدات

    زيارة الأربعين: تراثٌ شيعي ولغةُ منهج

    • 348 مشاهدات

    في ذكرى هدم القبة الشريفة: جريمة اغتيال التاريخ وإيذانٌ بمسؤولية الشباب

    • 1215 مشاهدات

    السيدة رقية: فراشة كربلاء وصرخة المظلومية الخالدة

    • 1165 مشاهدات

    كل محاولاتك إيجابية

    • 1116 مشاهدات

    التواصل المقطوع

    • 1041 مشاهدات

    سوء الظن.. قيدٌ خفيّ يقيّد العلاقات ويشوّه النوايا

    • 1035 مشاهدات

    بين طموحات الأهل وقدرات الأبناء.. هل الطب هو الخيار الوحيد؟

    • 911 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    مناهل الأربعين.. فتنافسوا في زيارته
    • منذ 3 ساعة
    زوار الحسين: فضل عظيم وشرف أبدي
    • منذ 3 ساعة
    ساعي بريد الحزن
    • منذ 3 ساعة
    دراسة أمريكية جديدة: الشفاء من السكري ممكن .. ولكن!
    • منذ 4 ساعة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة